وهل هي حقيقة في واحد منها مجاز في غيره، أو حقيقة فيها جميعا؟ رجح بعضهم الثاني، ولذا ذهب إلى كل منها بعض السلف، فأخرج ابن جرير عن الزهري أن التيمم إلى الآباط، وأخرج عن مكحول أنه قال: التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع، وأخرج الحاكم عن ابن عمر في كيفية تيممهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم مسحوا من المرافق إلى الأكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن، ومن حديث أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمم ومسح يديه إلى مرفقيه - وهذا مذهبنا - ومذهب الشافعي والجمهور - ويشهد لهم القياس - على الوضوء الذي هو أصله؛ وإن كان الحدث والجنابة فيه كيفية سواء، وكذا جوازا على الصحيح المروي عن المعظم. ومن الناس من قال: لا يتيمم الجنب والحائض والنفساء - وهو المروي عن عمر. وابنه وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم - قيل: ومنشأ الخلاف فيما بينهم حمل الملامسة فيما سبق على الوقاع أو المس باليد. فذهب الأولون إلى الأول والآخرون إلى الأخير، وقالوا: القياس أن لا يكون التيمم طهورا وإنما أباحه الله تعالى للمحدث فلا يباح للجنب لأنه ليس معقول المعنى حتى يصح القياس، وليست الجنابة في معنى الحدث لتلحق به بل هي فوقه. وأنت تعلم أن الآية كالصريح في جواز تيمم الجنب وإن لم تحمل الملامسة على الوقاع - كما يشير إليه تفسيرها السابق - على أن الأحاديث ناطقة بذلك، فقد أخرج البخاري عن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك " وروي " أن قوما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا قوم نسكن هذه الرمال ولم نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والحائض والنفساء فقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بأرضكم " إلى غير ذلك، وهل يرفع التيمم الحدث أم لا؟ خلاف، ولا دلالة في الآية على أحد الأمرين عند من أمعن النظر * (إن الله كان عفوا غفورا) * تعليل لما يفهمه الكلام من الترخيص والتيسير وتقرير لهما فإن من عادته المستمرة أن يعفو عن الخاطئين ويغفر للمذنبين لا بد أن يكون ميسرا لا معسرا، وجوز أن يكون كناية عن ذلك فإنه من روادف العفو وتوابع الغفران، وأدمج فيه أن الأصل الطهارة الكاملة وأن غيرها من الرخص من العفو والغفران، وقيل: العفو هنا بمعنى " التيسير " - كما في التيسير - واستدل على وروده بهذا المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم: " عفوت لكم صدقة الخيل والرقيق " وذكر المغفرة للدلالة على أنه غفر ذنب المصلين سكارى، وما صدر عنهم في القراءة، وأنت تعلم أن حمل العفو على التيسير في الحديث غير متعين وكون ذكر المغفرة لما ذكر بعيد..
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتابيشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل) *.
* (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) * استئناف لتعجيب المؤمنين من سوء حالهم والتحذير عن موالاتهم إثر ذكر أنواع التكاليف والأحكام الشرعية، والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المؤمنين؛ وفيه إيذان بكمال شهرة شناعة حالهم، وقيل: لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وخطاب سيد القوم في مقام خطابهم والرؤية بصرية، وتعديها بإلى حملا لها على النظر - أي ألم تنظر إليهم - وجعلها علمية وتعديها بإلى لتضمينها معنى الانتهاء - أي ألم ينته علمك إليهم - منحط في مقام التعجيب وتشهير شنائعهم، ونظمها في سلك الأمور المشاهدة، والمراد من الموصول يهود المدينة. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم كانا إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لويا لسانهما وعاباه، وعنه أنها