تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٧
الذي هو في عين مقامك * (وابن السبيل) * أي السالك المتغرب عن مأوى النفس الذي لم يصل إلى مقام بعد * (وما ملكت أيمانكم) * من المنتمين إليكم بالمحبة والإرادة، وقيل: الوالدين إشارة إلى المشايخ وإحسان المريد إليهم إطاعتهم والانقياد إليهم وامتثال أوامرهم فإنهم أطباء القلوب وهم أعرف بالداء والدواء ولا يداوون إلا بما يرضي الله تعالى وإن خفي على المريد وجهه. ومن هنا قال الجنيد قدس سره: أمرني ربي أمرا وأمرني السري أمرا فقدمت أمر السري على أمر ربي وكل ما وجدت فهو من بركاته، وأول * (الجار ذي القربى) * بالروح الناطقة العارفة العاشقة الملكوتية التي خرجت من العدم بتجلي القدم وانقدحت من نور الأزل وهي أقرب كل شيء وهي جار الله تعالى المصبوغة بنوره والإحسان إليها أن تطلقها من فتنة الطبيعة وتقدس مسكنها من حظوظ البشرية لتطير بجناح المعرفة والشوق إلى عالم المشاهدة * (والجار الجنب) * بالصورة الحاملة للروح والإحسان إليها أن تفطم جوارحها من رضع ضرع الشهوات * (والصاحب بالجنب) * وهو القلب الذي يصحبك في سفر الغيب والإحسان إليه أن تفرده من الحدثان وتشوقه إلى جمال الرحمن، وقيل: هو النفس الأمارة، وفي الخبر " أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك " والإحسان إليها أن تحبسها في سجن العبودية وتحرقها بنيران المحبة، وأول * (ابن السبيل) * بالولي الكامل فإنه لم يزل ينتقل من نور الأفعال إلى نور الصفات ومن نور الصفات إلى نور الذات والإحسان إليه كتم سره وعدم الخروج عن دائرة أمره، وقال بعض العارفين: وإن شئت أولت (ذا القربى) بما يتصل بالشخص من المجردات (واليتامى) بالقوى الروحانية، (والمساكين) بالقوى النفسانية من الحواس الظاهرة وغيرها * (والجار ذي القربى) * بالعقل * (والجار الجنب) * بالوهم * (والصاحب بالجنب) * بالشوق والإرادة * (وابن السبيل) * بالفكر والمماليك بالملكات المكتسبة التي هي مصادر الأفعال الجميلة، وباب التأويل واسع جدا * (إن الله لا يحب من كان مختالا) * يسعى بالسلوك في نفسه * (فخورا) * (النساء: 36) بأحواله ومقاماته محتجبا برؤيتها * (الذين يبخلون) * على أنفسهم وعلى المستحقين فلا يعملون بعلومهم ولا يعلمونها * (ويأمرون الناس بالبخل) * قالا أو حالا * (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) * فلا يشكرون نعمة الله، أو يكتمون ما أوتوا من المعارف في كتم الاستعداد وظلمة القوة حتى كأنها معدومة * (وأعتدنا للكافرين) * للحق الساترين أنوار الوحدة بظلمة الكثرة * (عذابا مهينا) * (النساء: 37) يهينهم في ذل وجودهم وشين صفاتهم * (والذين ينفقون أموالهم) * أي يبرزون كمالاتهم * (رئاء الناس) * مرائين الناس بأنها لهم * (ولا يؤمنون بالله) * الإيمان الحقيقي ليعلموا أن لا كمال إلا له * (ولا باليوم الآخر) * أي الفناء فيه سبحانه ليرزوا لله الواحد القهار * (ومن يكن الشيطان) * النفس وقواها * (له قرينا فساء قرينا) * (النساء: 38) لأنه يضله عن الحق كهؤلاء * (وماذا عليهم) * ما كان يضرهم * (لو آمنوا بالله واليوم الآخر) * فصدقوا بالتوحيد والفناء فيه * (وأنفقوا مما رزقهم الله) * ولم يروا كمالا لأنفسهم * (وكان الله بهم عليما) * (النساء: 39) فيجازيهم بالبقاء بعد الفناء * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * مقدار ما يظهر من الهباء * (وإن تك حسنة) * ولا تكون كذلك إلا إذا كانت له فإن كانت له يضاعفها بالتأييد الحقاني * (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * (النساء: 40) وهو الشهود الذاتي، أو العلم اللداني * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * وهو ما يحضر كل أحد ويظهر له بصورة معتقده فيكشف عن حاله * (وجئنا بك على هؤلاء) * وهم المحمديون * (شهيدا) * (النساء: 41) ومن لوازم الإتيان بالحقيقة المحمدية شهيدا للمحمديين معرفتهم لله تعالى عند التحول في جميع الصور فليس شهيدهم في الحقيقة إلا الحق سبحانه * (يومئذ يود الذين كفروا) * بالاحتجاب * (وعصوا الرسول) * بعدم المتابعة * (لو تسوى بهم الأرض) *
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»