تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٠
عباس رضي الله تعالى عنهما لكن القيل الذي نقله تبعا للزمخشري في سبب النزول لم نقف له على سند، والذي ذكره الواحدي في ذلك ثلاثة أخبار: الأول: ما أخرجه عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى الآية، والثاني: ما أخرجه عن عكرمة أن النساء سألنا الجهاد فقلن: وددن أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال فنزلت، والثالث: ما أخرجه عن قتادة والسدي قالا: لما نزل قوله تعالى: * (للذكر مثل حظ الانثيين) * (النساء: 11) قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء، وقالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فأنزل الله تعالى: * (ولا تتمنوا) * إلى آخرها، وذكر الجلال السيوطي في " الدر المنثور " نحو ذلك، ولا يخفى أن القيل الذي نقله ظاهر في حمل التمني المنهي عنه على الحسد، والخبر الأول.
والثاني: مما أخرجه الواحدي ليسا كذلك إذ عليهما يجوز حمله على الحسد أو على ما هو ذريعة له، وربما يتراءى أن حمله على الثاني نظرا إليهما أظهر، وأما الخبر الثالث: فيأباه معنى الآية سواء كان التمني كناية عن الحسد أو ذريعة إلا بتكلف بعيد جدا، ومعنى الآية على الأولين أن لكل من الرجال والنساء حظا من الثواب على حسب ما كلفه الله تعالى من الطاعات بحسن تدبيره فلا تتمنوا خلاف هذا التدبير، وروي ذلك عن قتادة، وفيه استعمال الاكتساب في الخير وقد استعمل في الشر، واستعمل الكسب في الخير في قوله تعالى: * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * (البقرة: 286) وعن مقاتل وأبي جرير أنهما قالا المراد مما اكتسبوا من الإثم، وفيه استعمال اللام مع الشر دون على، وهو خلاف ما في الآية، وقيل: المراد لكل، وعلى كل من الفريقين مقدار من الثواب والعقاب حسبما رتبه الحكيم على أفعاله إلا أنه استغنى باللام عن علي وبالاكتساب عن الكسب - وهو كما ترى - ويرد على هذه المعاني أنه لا يساعدها النظم الكريم المتعلق بالمواريث وفضائل الرجال. ولعل من يذهب إليها يجعل الآية معترضة في البين. وذكر بعضهم أن معنى الآية على الوجه الأول المروي عن أبي عبد الله وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مقدرا في أزل الآزال من نعيم الدنيا بالتجارات والزراعات وغير ذلك من المكاسب فلا يتمن خلاف ما قسم له.
* (واسئلوا الله من فضله) * عطف على النهي بعد تقرير الانتهاء بالتعليل كأنه قيل: لا تتمنوا نصيب غيركم ولا تحسدوا من فضل عليكم واسألوا الله تعالى من إحسانه الزائد وإنعامه المتكاثر فإن خزائنه مملوءة لا تنفد أبدا، والمفعول محذوف إفادة للعموم أي واسألوا ما شئتم فإنه سبحانه يعطيكموه إن شاء، أو لكونه معلوما من السياق، أي واسألوا مثله، ويقال لذلك: غبطة. وقيل: (من) زائدة أي واسألوا الله تعالى فضله، وقد ورد في الخبر " لا يتمنين أحدكم مال أخيه ولكن ليقل اللهم ارزقني اللهم أعطني مثله " وذهب بعض العلماء - كما في " البحر " - إلى المنع عن تمني مثل نعمة الغير ولو بدون تمني زوالها لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة له في دينه ومضرة عليه في دنياه، فلا يجوز عنده أن يقول: اللهم أعطني دارا مثل دار فلان ولا زوجا مثل زوجه بل ينبغي أن يقول: اللهم أعطني ما يكون صلاحا لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي، ولا يتعرض لمن فضل عليه، ونسب ذلك للمحققين وهم محجوجون بالخبر اللهم إلا إذا لم يسلموا صحته، وقيل: المعنى لا تتمنوا الدنيا بل اسألوا الله تعالى العبادة التي تقربكم إليه، وإلى هذا ذهب ابن جبير وابن سيرين، وأخرج ابن المنذر عن الثاني أنه إذا سمع الرجل يتمنى الدنيا يقول: قد نهاكم الله تعالى عن هذا
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»