مؤخرا أفاد الاختصاص، وإن قدر مقدما فلا يفيده، ولا خفاء أن الظاهر تقديره مقدما فلا يلزم الاختصاص والثالث: أنه معطوف على * (الوالدان) * فإن أريد أنهم موروثون عاد الضمير من - فآتوهم - على - موالى - وإن أريد أنهم وارثون جاز عوده على * (موالي) * وعلى (الوالدين) وما عطف عليهم، قيل: ويضعفه شهرة الوقف على (الأقربون) دون (أيمانكم)، والرابع: أنه منصوب بالعطف على موالي وهو تكلف. وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجها البخاري وأبو داود والنسائي وجماعة أنه قال في الآية: كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت * (ولكل جعلنا موالي) * نسخت، ثم قال: * (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) * من النصر والرفادة والنصيحة - وقد ذهب الميراث ويوصي له - وروي عن مجاهد مثله، وظاهر ذلك عدم جواز العطف إذ من عطف أراد * (فآتوهم نصيبهم) * من الإرث * (إن الله كان على كل شيء شهيدا) * أي لم يزل سبحانه عالما بجميع الأشياء مطلعا عليها جليها وخفيها فيطلع على الإيتاء والمنع، ويجازي كلا من المانع والمؤتي حسب فعله، ففي الجلة وعد ووعيد..
* (الرجال قوامون على النسآء بما فضل الله بعضهم على بعض وبمآ أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حفظات للغيب بما حفظ الله واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) *.
* (الرجال قوامون على النساء) * أي شأنهم القيام عليهن قيام الولاة على الرعية بالأمر والنهي ونحو ذلك. واختيار الجملة الإسمية مع صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم ورسوخهم في الاتصاف بما أسند إليهم، وفي الكلام إشارة إلى سبب استحقاق الرجال الزيادة في الميراث كما أن فيما تقدم رمزا إلى تفاوت مراتب الاستحقاق، وعلل سبحانه الحكم بأمرين: وهبي وكسبي فقال عز شأنه: * (بما فضل الله بعضهم على بعض) * فالباء للسببية وهي متعلقة ب * (قوامون) * كعلى ولا محذور أصلا، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالا من ضميره والباء للسببية أو للملابسة و (ما) مصدرية وضمير الجمع لكلا الفريقين تغليبا أي قوامون عليهن بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن، أو مستحقين ذلك بسبب التفضيل، أو متلبسين بالتفضيل، وعدل عن الضمير فلم يقل سبحانه بما فضلهم الله عليهن للإشعار بغاية ظهور الأمر وعدم الحاجة إلى التصريح بالمفضل والمفضل عليه بالكلية، وقيل: للإبهام للإشارة إلى أن بعض النساء أفضل من كثير من الرجال وليس بشيء، وكذا لم يصرح سبحانه بما به التفضيل رمزا إلى أنه غني عن التفصيل، وقد ورد أنهن ناقصات عقل ودين، والرجال بعكسهن كما لا يخفى، ولذا خصوا بالرسالة والنبوة على الأشهر، وبالإمامة الكبرى والصغرى، وإقامة الشعائر كالأذان والإقامة والخطبة والجمعة وتكبيرات التشريق عند إمامنا الأعظم - والاستبداد بالفراق وبالنكاح عند الشافعية - وبالشهادة في أمهات القضايا وزيادة السهم في الميراث والتعصيب إلى غير ذلك * (وبما أنفقوا من أموالهم) * عطف على ما قبله فالباء متعلقة بما تعلقت به الباء الأولى، و (ما) مصدرية أو موصولة وعائدها محذوف، و * (من) * تبعيضية أو ابتدائية متعلقة - بأنفقوا - أو بمحذوف وقع حالا من العائد المحذوف وأريد بالمنفق - كما قال مجاهد - المهر، ويجوز أن يراد بما أنفقوه ما يعمه، والنفقة عليهن، والآية - كما روي عن مقاتل - نزلت في سعد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء، وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجعوا هذا جبرائيل عليه السلام أتاني وأنزل الله هذه الآية فتلاها صلى الله عليه وسلم ثم قال: أردنا أمرا وأراد الله تعالى أمرا والذي أراده الله تعالى خير ".