هي أشرف الفضائل * (قوامين) * (النساء) 135) بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيهم لا يمكن معها جور في شيء ولا ظهور صفة نفس لاتباع هوى في جلب نفع دنيوي أو رفع مضرة كذلك، ثم قال جل وعلا: * (يا أيها الذين آمنوا) * من حيث البرهان * (آمنوا) * (النساء) 136) من حيث البيان إلى أن تؤمنوا من حيث العيان أو: * (يا أيها الذين آمنوا) * بالإيمان التقليدي * (آمنوا) * بالإيمان العيني، أو المراد يا أيها المدعون تجريد الإيمان لي من غير وساطة لا سبيل لكم إلى الوصول إلى عين التجريد إلا بقبول الوسائط، فالآية إشارة إلى الفرق بعد الجمع * (إن الذين آمنوا) * بالتقليد * (ثم كفروا) * إذ لم يكن للتقليد أصل * (ثم آمنوا) * بالاستدلال العقلي * (ثم كفروا) * إذ لم تكن عقولهم مشرفة بالنور الإلهي * (ثم ازدادوا كفرا) * بالشبهات والاعتراضات، وقد يكون ذلك إشارة إلى وصف أهل التردد في سلوك سبيل أولياء الله تعالى، والإيمان بأحوالهم حين هاجت رغبتهم إلى رياسة القوم. فلما جن عليهم ليل المجاهدات لم يتحملوا وأنكروا ورجعوا إلى حظوظ أنفسهم، ولما رأوا نهاية الأكابر وظنوا اللحوق بهم لو استقاموا وآمنوا فلما لم يصلوا إلى شيء من مقامات القوم وكراماتهم لعدم إخلاصهم وسوء استعدادهم ارتدوا وصاروا منكرين عليهم وعلى مقاماتهم وازدادوا إنكارا على إنكار حين رجعوا إلى اللذات والشهوات واختاروا الدنيا على الآخرة وجعلوا يقولون للخلق: إن هؤلاء ليسوا على الحق فقد سلكنا ما سلكوا وخضنا ما خاضوا فلم نر إلا سرابا بقيعة، وهذا حال كثير من علماء السوء المنكرين على القوم قدس الله تعالى أسرارهم * (لم يكن الله ليغفر لهم) * لمكان الريب الحاجب وفساد جوهر القلب وزوال الاستعداد * (ولا ليهديهم سبيلا) * (النساء: 137) إلى الحق ولا إلى الكمال لعدم قبولهم ذلك * (الذين يتخذون الكافرين أولياء) * لمناسبتهم إياهم وشبيه الشيء من منجذب إليه * (من دون المؤمنين) * لعدم الجنسية * (أيبتغون عندهم العزة) * أي أيطلبون التعزز بهم في الدنيا والتقوي بمالهم وجاههم * (فإن العزة لله جميعا) * (النساء: 139) فلا سبيل لهم إليها إلا منه سبحانه عز وجل، ثم ذكر سبحانه من وصف المنافقين أنهم - إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى - لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لعدم استعدادهم واستيلاء الهوى عليهم * (يراءون الناس) * لاحتجابهم بهم عن رؤية الله تعالى * (ولا يذكرون الله إلا قليلا) * (النساء: 142) لأنهم لا يذكرونه إلا باللسان وعند حضورهم بين الناس بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم إذا قاموا إلى الصلاة يطيرون إليها بجناحي الرغبة والرهبة بل يحنون إلى أوقاتها.
حنين أعرابية حنت إلى * أطلال نجد فارقته ومرخه ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: " أرحنا يا بلال " يريد عليه الصلاة والسلام أقم لنا الصلاة لنصلي فنستريح بها لا منها، وظن الأخير برسول الله صلى الله عليه وسلم كفر والعياذ بالله تعالى؛ وإذا عبدوا لا يرون إلا الله تعالى، وما قدر السوى عندهم ليراءوه؟ وإن كل جزء منهم يذكر الله تعالى، نعم إنهم قد يشتغلون به عنه فهناك لا يتأتى لهم الذكر، وقد عد العارفون الذكر لأهل الشهود ذنبا، ولهذا قال قائلهم: بذكر الله تزداد الذنوب * وتنكشف الرذائل والعيوب وترك الذكر أفضل كل شيء * وشمس الذات ليس لها مغيب لكن ذكر بعضهم أنه لا يصل العبد إلى ذلك المقام إلا بكثرة الذكر، وأشار إلى مقام عال من قال: لا يترك الذكر إلا من يشاهده * وليس يشهده من ليس يذكره والذكر ستر على مذكوره ستر * فحين أذكره في الحال يستره فلا أزال على الأحوال أشهده * ولا أزال على الأنفاس أذكره