تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٢
* (الذين يتخذون الك‍افرين أوليآء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) *.
* (الذين يتخذون الكافرين أولياء) * في موضع النصب أو الرفع على الذم على معنى أريد بهم الذين أو هم الذين، ويجوز أن يكون منصوبا على اتباع المنافقين ولا يمنع منه وجود الفاصل فقد جوزه العرب، والمراد بالكافرين قيل: اليهود، وقيل: مشركو العرب، وقيل: ما يعم ذلك والنصارى، وأيد الأول بما روي أنه كان يقول بعضهم لبعض: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم لا يتم فتولوا اليهود. * (من دون المؤمنين) * أي متجاوزين ولاية المؤمنين، وهو حال من فاعل * (يتخذون) *.
* (أيبتغون) * أي المنافقون * (عندهم) * أي الكافرين * (العزة) * أي القوة والمنعة وأصلها الشدة، ومنه قيل للأرض الصلبة: عزاز، والاستفهام للإنكار، والجملة معترضة مقررة لما قبلها، وقيل: للتهكم، وقيل: للتعجب. * (فإن العزة لله جميعا) * أي أنها مختصة به تعالى يعطيها من يشاء وقد كتبها سبحانه لأوليائه فقال عز شأنه: * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * (المنافقون: 8) والجملة تعليل لما يفيده الاستفهام الإنكاري من بطلان رأيهم وخيبة رجائهم. وقيل: بيان لوجه التهكم أو التعجب، وقيل: إنها جواب شرط محذوف أي إن يبتغوا العزة من هؤلاء فإن العزة الخ، وهي على هذا التقدير قائمة مقام الجواب لا أنها الجواب حقيقة، و * (جميعا) * قيل: حال من الضمير في الجار والمجرور لاعتماده على المبتدأ، وليس في الكلام مضاف أي لأولياء كما زعمه البعض..
* (وقد نزل عليكم فى الكت‍ابأن إذا سمعتم ءاي‍ات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المن‍افقين والك‍افرين فى جهنم جميعا) *.
وقوله سبحانه: * (وقد نزل عليكم) * خطاب للمنافقين بطريق الالتفات مفيد لتشديد التوبيخ الذي يستدعيه تعديد جناياتهم. وقرأ - ما عدا عاصما - ويعقوب * (نزل) * بالبناء لما لم يسم فاعله، والجملة حال من ضمير * (يتخذون) * (النساء: 139) مفيدة أيضا لكمال قباحة حالهم ببيان أنهم فعلوا ما فعلوا من موالاة أعداء الله تعالى مع تحقق ما يمنعهم عن ذلك، وهو ورود النهي عن المجالسة المستلزم للنهي عن الموالاة على آكد وجه وأبلغه إثر بيان انتفاء ما يدعوهم إليه بالجملة المعترضة كأنه قيل: تتخذونهم أولياء؛ والحال أنه تعالى نزل عليكم قبل هذا بمكة * (في الكت‍اب) * أي القرآن العظيم الشأن.
* (أن إذا سمعتم ءاي‍ات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * وذلك قوله تعالى: * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) * (الأنعام: 68) الآية، وهذا يقتضي الإنزجار عن مجالستهم في تلك الحالة القبيحة، فكيف بموالاتهم والاعتزاز بهم؟! و * (أن) * هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر أي أنه إذا سمعتم، وقدره بعضهم ضمير المخاطبين أي أنكم، وكون المخففة لا تعمل في غير ضمير الشأن إلا لضرورة - كما قال أبو حيان - في حيز المنع، وقد صحح غير واحد جواز ذلك من غير ضرورة، والجملة الشرطية خبر وهي تقع خبرا في كلام العرب، و * (أن) * وما بعدها في موضع النصب على أنه مفعول به - لنزل - وهو القائم مقام الفاعل على القراءة الثانية، واحتمال أنه قد يجعل القائم مقامه عليكم، وتكون * (أن) * مفسرة لأن التنزيل في معنى القول لا يلتفت إليه، و * (يكفر بها ويستهزأ) * في موضع الحال من الآيات جىء بهما لتقييد النهي عن المجالسة، فإن قيد القيد قيد، والمعنى لا تقعدوا معهم وقت كفرهم واستهزائهم بالآيات، وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتشريفها وإبانة خطرها وتهويل أمر الكفر بها، والضمير في * (معهم) * للكفرة المدلول عليهم ب * (يكفر) * * (ويستهزأ) * والضمير في غيره راجع إلى تحديثهم بالكفر والاستهزاء، وقيل: الكفر والاستهزاء
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»