التمسك بمثل هذا الدليل في مثل هذا المطلب في غاية السقوط.
وأجيب عن متمسك أبي الهذيل بأن عدم القتل إنما يتصور على تقدير علم الله تعالى بأنه لا يقتل وحينئذ لا نسلم لزوم المحال وبأنه لا استحالة في قطع الأجل المقدر الثابت لولا القتل لأنه تقرير للمعلوم لا تغيير له، وعن متمسك الكعبي المخالف للمعتزلة والأشاعرة في إثبات الأجلين بأن القتل قائم بالقاتل وحال له لا للمقتول وإنما حاله الموت وانزهاق الروح الذي هو بإيجاد الله تعالى وإذنه ومشيئته وإرادة المقتولية المتولدة عن قتل القاتل بالقتل وهي حال المقتول إذ هي بطلان الحياة والتخصيص بما لا يكون على وجه القتل على ما يشعر به * (أفئن مات أو قتل) * (آل عمران: 144) خلاف مذهبه من إنكار القضاء والقدر في أفعال العباد إذ بطلان الحياة المتولد من قتل القاتل أجل قدره الله تعالى وعينه وحدده، ومعنى الآية - كما أشرنا إليه - أفئن مات حتف أنفه بلا سبب، أو مات بسبب القتل، فتدل على أن مجرد بطلان الحياة موت ومن هنا قيل: إن في المقتول معنيين قتلا هو من فعل الفاعل وموتا هو من الله تعالى وحده.
وذهبت الفلاسفة إلى مثل ما ذهب إليه الكعبي من تعدد الأجل فقالوا: إن للحيوان أجلا طبيعيا بتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وآجالا اخترامية تتعدد بتعدد أسباب لا تحصى من الأمراض والآفات، وبيانه أن الجواهر التي غلبت عليها الأجزاء الرطبة ركبت مع الحرارة الغريزية فصارت لها بمنزلة الدهن للفتيلة المشعلة وكلما انتقصت تلك الرطوبات تبعتها الحرارة الغريزية في ذلك حتى إذا انتهت في الانتقاص وتزايد الجفاف انطفأت الحرارة كانطفاء السراج عند نفاد دهنه فحصل الموت الطبيعي وهو مختلف بحسب اختلاف الأمزجة وهو في الإنسان في الأغلب تمام مائة وعشرين سنة. وقد يعرض من الآفات مثل البرد المجمد والحرب المذوب وأنواع السموم وأنواع تفرق الاتصال وسوء المزاج ما يفسد البدن ويخرجه عن صلاحه لقبول الحياة إذ شرطها اعتدال المزاج فيهلك بسببه وهذا هو الأجل الاحترامي، ويرد ذلك أنه مبني على قواعدهم من تأثير الطبيعة والمزاج وهو باطل عندنا إذ لا تأثير إلا له سبحانه وتلك الأمور عندنا أسباب عادية لا عقلية كما زعموا.
وادعى بعض المحققين أن النزاع بيننا وبين الفلاسفة كالنزاع بيننا وبين المعتزلة - على رأي الأستاذ - لفظي إذ هم لا ينكرون القضاء والقدر فالوقت الذي علم الله تعالى بطلان الحياة فيه بأي سبب كان واحد عندهم أيضا، وما ذكروه من الأجل الطبيعي نحن لا ننكره أيضا لكنهم يجعلون اعتدال المزاج واستقامة الحرارة والرطوبة ونحو ذلك شروطا حقيقة عقلية لبقاء الحياة ونحن نجعلها أسبابا عادية وذلك بحث آخر وسيأتي تتمة الكلام على هذه المسألة إذ الأمور مرهونة لأوقاتها ولكل أجل كتاب.
* (ومن يرد) * أي بعمله كالجهاد * (ثواب الدنيا) * كالغنيمة * (نؤته) * بنون العظمة على طريق الالتفات * (منها) * أي شيئا من ثوابها إن شئنا فهو على حد قوله تعالى: * (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) * (الإسراء: 18) وهذا تعريض بمن شغلتهم الغنائم يوم أحد عن مصلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم تفصيل ذلك. * (ومن يرد) * أي بعمله كالجهاد أيضا والذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. * (ثواب الآخرة) * مما أعد الله تعالى لعباده فيها من النعيم * (نؤته منها) * أي من ثوابها ما نشاء حسبما جرى به قلم الوعد الكريم، وهذا إشارة إلى مدح الثابتين يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآية