تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٨١
ذلك الجهاد أحد أسباب موت النفس عن صفاتها، ويحتمل أن يقال: إن الموقن إذا لم يكن يقينه ملكة تمنى أمورا وادعى أحوالا حتى إذا امتحن ظهر منه ما يخالف دعواه وينافي تمنيه، ومن هنا قيل:
وإذا ما خلا الجبان بأرض * طلب الطعن وحده والنزالا ومتى رسخ ذلك اليقين وتمكن وصار ملكة ومقاما ولم يبق حالا لم يختلف الأمر عليه عند الامتحان، والآية تشير إلى توبيخ المنهزمين بأن يقينهم كان حالا ولم يكن مقاما * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * أي أنه بشر كسائر إخوانه من المرسلين فكما خلوا من قبله سيخلو هو من بعدهم * (أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * ورجعتم القهقرى، والإشارة في ذلك إلى أنه تعالى عاتب من تزلزل لذهاب الواسطة العظمى عن البين وهو مناف لمشاهدة الحق ومعاينته، ولهذا قال الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله تعالى فإن الله تعالى حي لا يموت * (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) * لفنائه الذاتي * (وسيجزي الله) * بالإيمان الحقيقي * (الشاكرين) * (آل عمران: 144) بالإيمان التقليدي بأداء حقوقه من الائتمار بأوامر الشرع والانتهاء عن نواهيه * (وما كان لنفس أن تموت) * هذا الموت المعلوم، أو الموت عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية * (إلا بإذن الله) * ومشيئته، أو جذبه باشراق نوره * (ومن يرد) * بمقتضى استعداده * (ثواب الدنيا) * جزاءا لعمله * (نؤته منها) * حسبما تقتضيه الحكمة * (ومن يرد ثواب الآخرة) * جزاءا لعمله * (نؤته منها وسنجزي الشاكرين) * ولعلهم الذين لم يريدوا الثوابين ولم يكن لهم غرض سوى العبودية، وأبهم جزاءهم للاشارة إلى أنه أمر وراء العبارة - ولعله تجلى الحق لهم - وهذا غاية متمني المحبين ونهاية مطلب السالكين، نسأل الله تعالى رضاه وتوفيقه.
* (وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لمآ أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) *.
* (وكأين) * كلام مبتدأ سيق توبيخا للمنهزمين أيضا حيث لم يستنوا بسنن الربانيين المجاهدين مع الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أنهم أولى بذلك حيث كانوا خير أمة أخرجت للناس. وقد اختلف في هذه الكلمة فقيل: إنها بسيطة وضعت كذلك ابتداءا والنون أصلية، وإليه ذهب ابن حيان وغيره، وعليه فالأمر ظاهر موافق للرسم، وقيل وهو المشهور: إنها مركبة من - أي - المنونة وكاف التشبيه؛ واختلف في - أي - هذه فقيل: هي أي التي في قولهم: أي الرجال، وقال ابن جني: إنها مصدر أوى يأوي إذا انضم واجتمع وأصله أوى فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت وأدغمت مثل - طى وشى - وحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير المفهوم من كم كما حدث في كذا بعد التركيب معنى آخر - فكم وكأين - بمعنى واحد قالوا: وتشاركها في خمسة أمور: الإبهام والافتقار إلى التمييز والبناء ولزوم التصدير وإفادة التكثير وهو الغالب والاستفهام وهو نادر، ولم يثبته إلا ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك، واستدل عليه بقول أبي بن كعب لابن مسعود رضي الله تعالى عنهما: كائن تقرأ سورة الأحزاب آية فقال: ثلاثا وسبعين، وتخالفها في خمسة أمور أيضا، أحدها: أنها مركبة في المشهور وكم بسيطة فيه خلافا لمن زعم أنها مركبة من الكاف وما الاستفهامية ثم حذفت ألفها لدخول الجار وسكنت للتخفيف لثقل الكلمة بالتركيب، والثاني: أن مميزها مجرور بمن غالبا حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك ويرده نص سيبويه على عدم اللزوم، ومن ذلك قوله:
اطرد اليأس بالرجاء (فكائن) * ألما حم يسره بعد عسر والثالث: أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور، والرابع: أنها لا تقع مجرورة خلافا لابن قتيبة وابن عصفور
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»