تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٤
يسيرا أي فضلا عن الكثير.
* (أتأخذونه) * أي الشيء * (بهتانا وإثما مبينا) * استئناف مسوق لتقرير النهي والاستفهام للإنكار والتوبيخ، والمصدران منصوبان على الحالية بتأويل الوصف أي أتأخذونه باهتين وآثمين، ويحتمل أن يكونا منصوبين على العلة ولا فرق في هذا الباب بين أن تكون علة غائية وأن تكون علة باعثة - وما نحن فيه من الثاني - نحو قعدت عن الحرب جبنا لأن الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم فقد قيل: كان الرجل منهم إذا أراد جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك، والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه، وقال الزجاج: الباطل الذي يتحير من بطلانه، وفسر هنا بالظلم، وعن مجاهد أنه الإثم فعطف الإثم عليه للتفسير كما في قوله: وألفى قولها كذبا ومينا وقيل: المراد به هنا إنكار التمليك والمبين البين الظاهر.
* (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميث‍اقا غليظا) *.
* (وكيف تأخذونه) * إنكار بعد إنكار، وقد بولغ فيه على ما تقدم في * (كيف تكفرون) * (البقرة: 28)، وقيل: تعجيب منه سبحانه وتعالى أي إن أخذكم له لعجيب * (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * كناية عن الجماع على ما روي عن ابن عباس ومجاهد والسدي. وقيل: المراد به الخلوة الصحيحة وإن لم يجامع واختاره الفراء - وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه - وهو أحد قولين للإمامية، وفي " تفسير الكلبي " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - الإفضاء - الحصول معها في لحاف واحد جامعها أو لم يجامعها، ورجح القول الأول بأن الكلام كناية بلا شبهة، والعرب إنما تستعملها فيما يستحى من ذكره كالجماع، والخلوة لا يستحى من ذكرها فلا تحتاج إلى الكناية، وأيضا في تعدية الإفضاء بإلى ما يدل على معنى الوصول والاتصال، وذلك أنسب بالجماع، ومن ذهب إلى الثاني قال: إنما سميت الخلوة إفضاءا لوصول الرجل بها إلى مكان الوطء ولا يسلم أن الخلوة لا يستحى من ذكرها، والجملة حال من فاعل * (تأخذونه) * مفيدة لتأكيد النكير وتقرير الاستبعاد أي على أي حال أو في أي (حال) تأخذونه، والحال أنه قد وقع منكم ما وقع * (و) * قد * (أخذن منكم ميث‍اقا) * أي عهدا * (غليظا) * أي شديدا قال قتادة: هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (البقرة: 229) ثم قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح فيقال: الله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان، وروي ذلك عن الضحاك ويحيى بن أبي كثير وكثير، وعن مجاهد - الميثاق الغليظ - كلمة النكاح التي استحل بها فروجهن.
واستدل بالآية من منع الخلع مطلقا وقال: إنها ناسخة لآية البقرة، وقال آخر: إنها منسوخة بها، وروي ذلك عن أبي زيد وقال جماعة: لا ناسخة ولا منسوخة، والحكم الذي فيها هو الأخذ بغير طيب نفس، واستدل بها - كما قال ابن الفرس - قوم على جواز المغالاة في المهور. وأخرج أبو يعلى عن مسروق أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نهى أن يزاد في الصداق على أربعمائة درهم فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت ما أنزل الله تعالى * (وآتيتم إحداهن قنطارا) *؟ (النساء: 20) فقال: اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر ثم رجع فركب المنبر، فقال: إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، وطعن الشيعة بهذا الخبر على عمر رضي الله تعالى عنه لجهله بهذه المسألة وإلزام امرأة له وقالوا: إن الجهل مناف للإمامة، وأجيب بأن الآية ليست نصا في جواز إيتاء القنطار فإنها على حد قولك: إن جاءك زيد وقد قتل أخاك فاعف عنه، وهو لا يدل على جواز قتل الأخ سلمنا أنها تدل على جواز إيتائه إلا أنا لا نسلم جواز إيتائه مهرا بل يحتمل أن يكون المراد بذلك إعطاء الحلي وغيره لا بطريق المهر
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»