وحكي عن الأصم أن إباحة أخذ المال منهن كان قبل الحدود عقوبة لهن. وروي مثل ذلك عن عطاء، فقد أخرج عبد الرزاق وغيره عنه كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ ما ساق إليها وأخرجها فنسخ ذلك الحدود، وذهب أبو علي الجبائي وأبو مسلم أن هذا متعلق بالعضل بمعنى الحبس والإمساك، ولا تعرض له بأخذ المال ففيه إباحة الحبس لهن إذا أتين بفاحشة - وهي الزنا عند الأول - والسحاق عند الثاني، فالآية على نحو ما تقدم من قوله تعالى: * (فأمسكوهن في البيوت) * (النساء: 15).
* (وعاشروهن) * أي خالقوهن * (بالمعروف) * وهو ما لا ينكره الشرع والمروءة، والمراد ههنا النصفة في القسم والنفقة، والإجمال في القول والفعل. وقيل: المعروف أن لا يضربها ولا يسىء الكلام معها ويكون منبسط الوجه لها، وقيل: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له، واستدل بعمومه من أوجب لهن الخدمة إذا كن ممن لا يخدمن أنفسهن، والخطاب للذين يسيئون العشرة مع أزواجهم، وجعله بعضهم مرتبطا بما سبق أول السورة من قوله سبحانه: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * (النساء: 4) وفيه بعد.
* (فإن كرهتموهن) * أي كرهتم صحبتهن وإمساكهن بمقتضى الطبيعة من غير أن يكون من قبلهن ما يوجب ذلك * (فعساى أن تكرهوا شيئا) * كالصحبة والإمساك. * (ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) * كالولد أو الألفة التي تقع بعد الكراهة، وبذلك قال ابن عباس ومجاهد، وهذه الجملة علة للجزاء؛ وقد أقيمت مقامه إيذانا بقوة استلزامها إياه فإن - عسى - لكونها لإنشاء الترجي لا تصلح للجوابية وهي تامة رافعة لما بعدها مستغنية عن الخبر، والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن، ولا تفارقوهن لكرهة الأنفس وحدها، فلعل (لكم) فيما تكرهونه (خيرا كثيرا) فإن النفس ربما تكره ما يحمد وتحب ما هو بخلافه، فليكن مطمح النظر ما فيه خير وصلاح، دون ما تهوى الأنفس، ونكر شيئا وخيرا ووصفه بما وصفه مبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميما للإرشاد، ولذا استدل بالآية على أن الطلاق مكروه، وقرىء * (ويجعل) * بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حال أي - وهو - أي ذلك الشيء يجعل الله فيه خيرا كثيرا، وقيل: تقديره والله يجعل الله بوضع المظهر موضع المضمر، فالواو حينئذ حالية. وفي دخولها على المضارع ثلاثة مذاهب: الأول: منع دخولها عليه إلا بتقدير مبتدأ، والثاني: جوازه مطلقا. والثالث: التفصيل بأنه إن تضمن نكتة كدفع إيهام الوصفية حسن وإلا فلا، ولا يخفى أن تقدير المبتدأ هنا خلاف الظاهر.
* (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) *.
* (وإن أردتم) * أيها الأزواج * (استبدال زوج) * إقامة امرأة ترغبون بها * (مكان زوج) * أي امرأة ترغبون عنها بأن تطلقوها * (وءاتيتم) * أي أعطى أحدكم * (إحداهن) * أي إحدى الزوجات، فإن المراد من الزوج هو الجنس الصادق مع المتعدد المناسب لخطاب الجمع، والمراد من الإيتاء كما قال الكرخي: الالتزام والضمان كما في قوله تعالى: * (إذا سلمتم ما آتيتم) * (البقرة: 233) أي ما التزمتم وضمنتم، ومفهوم الشرط غير مراد على ما نص عليه بعض المحققين، وإنما ذكر لأن تلك الحالة قد يتوهم فيها الأخذ فنبهوا على حكم ذلك، والجملة حالية بتقدير قد لا معطوفة على الشرط أي وقد آتيتم التي تريدون أن تطلقوها وتجعلوا مكانها غيرها * (قنطارا) * أي مالا كثيرا، وقد تقدمت الأقوال فيه * (فلا تأخذوا منه) * أي من القنطار المؤتى * (شيئا) *