خبر الواحد في الشرع - فإن جاحد الأول كافر دون الثاني، وتارك العمل بالأول مؤلا فاسق دون الثاني، وإنما يزعم أن الفرض والواجب لفظان مترادفان منقولان عن معناهما اللغوي إلى معنى واحد هو ما يمدح فاعله ويذم تاركه شرعا سواء ثبت بدليل قطعي أو ظني، وهذا مجرد اصطلاح، فلا معنى للاحتجاج بأن التفاوت بين الكتاب وخبر الواحد موجب للتفاوت بين مدلوليهما، أو بأن الفرض في اللغة التقدير والوجوب هو السقوط، فالفرض علم قطعا أنه مقدر علينا، والوجوب ما سقط علينا بطريق الظن ولا يكون المظنون مقدرا ولا المعلوم القطعي ساقطا علينا على أن للخصم أن يقول: لو سلم ملاحظة المفهوم اللغوي فلا نسلم امتناع أن يثبت كون الشيء مقدرا علينا بدليل ظني، وكونه ساقطا علينا بدليل قطعي، ألا ترى أن قولهم: الفرض أي المفروض المقدر في المسح هو الربع، وأيضا الحق أن الوجوب في اللغة هو الثبوت، وأما مصدر الواجب بمعنى الساقط والمضطرب إنما هو الوجبة والوجيب، ثم استعمال الفرض - فيما ثبت بظني والواجب فيما ثبت بقطعي - شائع مستفيض كقولهم: الوتر فرض، وتعديل الأركان فرض ونحو ذلك، ويسمى فرضا عمليا، وكقولهم: الصلاة واجبة والزكاة واجبة، ونحو ذلك، ومن هنا يعلم سقوط كلام بعض الشافعية في رد استدلال الحنفية بما تقدم على توريث ذوي الأرحام بأن الواجب عند الحنفية ما علم ثبوته بدليل مظنون، والمفروض ما علم بدليل قاطع، وتوريث ذوي الأرحام ليس من هذا القبيل بالاتفاق، فعرفنا أنه غير مراد من الآية ووجه السقوط ظاهر غني عن البيان. واحتج بعضهم بالآية على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه وهو مذهب الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه.
* (وإذا حضر القسمة) * أي قسمة التركة بين أربابها وهي مفعول به، وقدمت لأنها المبحوث عنها ولأن في الفاعل تعددا فلو روعي الترتيب يفوت تجاذب أطراف الكلام، وقيل: قدمت لتكون أمام الحاضرين في اللفظ كما أنها أمامهم في الواقع، وهي نكتة للتقديم لم أر من ذكرها من علماء المعاني. * (أولوا القربى) * ممن لا يرث لكونه عاصبا محجوبا أو لكونه من ذوي الأرحام، والقرينة على إرادة ذلك ذكر الورثة قبله * (واليتامى والمساكين) * من الأجانب * (فارزقوهم منه) * أي اعطوهم شيئا من المال أو المقسوم المدلول عليه بالقسمة، وقيل: الضمير لما وهو أمر ندب كلف به البالغون من الورثة تطييبا لقلوب المذكورين وتصدقا عليهم، وقيل: أمر وجوب واختلف في نسخه ففي بعض الروايات عن ابن عباس أنه لا نسخ والآية محكمة وروي ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها. وأخرج أبو داود في " ناسخه " وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال: * (وإذا حضر القسمة) * الآية نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك مما قل منه أو كثر. وحكي عن سعيد بن جبير أن المراد من أولى القربى هنا الوارثون، ومن * (اليتامى والمساكين) * غير الوارثين وأن قوله سبحانه: * (فارزقوهم منه) * راجع إلى الأولين، وقوله تعالى: * (وقولوا لهم قولا معروفا) * راجع للآخرين وهو بعيد جدا، والمتبادر ما ذكر أولا وهذا القول للمرزوقين من أولئك المذكورين، والمراد من القول المعروف أن يدعو لهم ويستقلوا ما أعطوهم ويعتذروا من ذلك ولا يمنوا عليهم.
* (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) *.
وقوله تعالى: * (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) * فيه أقوال: أحدها: أنه أمر للأوصياء بأن