تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢١٦
ليلة أسري به قال: نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار فيقذف في أجوافهم حتى تخرج من أسافلهم ولهم خوار وصراخ فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ". * (وسيصلون سعيرا) * أي سيدخلون نارا هائلة مبهمة الوصف، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم ياء المضارعة، والباقون بفتحها، وقرىء * (وسيصلون) * بتشديد اللام، وفي " الصحاح " يقال: صليت اللحم وغيره أصليه صليا مثل رميته رميا إذا شويته، وصليت الرجل نارا إذا أدخلته وجعلته يصلاها فإن ألقيته فيها إلقاء - كأنك تريد ازحراق - قلت: أصليته بالألف وصليته تصلية، ويقال: صلى بالأمر إذا قاسى حره وشدته، قال الطهوي: ولاتبلي بسالتهم وإن هم * (صلوا) بالحرب حينا بعد حين وقال بعض المحققين: إن أصل الصلى القرب من النار وقد استعمل هنا في الدخول مجازا، وظاهر كلام البعض أنه متعد بنفسه، وقيل: إنه يتعدى بالباء فيقال: صلى بالنار، وذكر الراغب أنه يتعدى بالباء تارة أو بنفسه أخرى ولعله بمعنيين كما يشير إليه ما في " الصحاح "، والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار إذا أوقدتها وألهبتها. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن جبير أن السعير واد من فيح جهنم، وظاهر الآية أن هذا الحكم عام لكل من يأكل مال اليتيم مؤمنا كان أو مشركا، وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أنه قال: هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم أي اليتامى ويأكلون أموالهم، ولا يخفى أنه إذا أراد أن حكم الآية خاص بأهل الشرك فقط فغير مسلم، وإن أراد أنها نزلت فيهم فلا بأس به إذ العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وفي بعض الأخبار أنه لما نزلت هذه الآية ثقل ذلك على الناس واحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكلية فصعب الأمر على اليتامى فنزل قوله تعالى: * (وإن تخالطوهم) * (البقرة؛ 220) الآية.
* (يوصيكم الله فىأول‍ادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نسآء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فإن كان له إخوة فلامه السدس من بعد وصية يوصى بهآ أو دين ءابآؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما) *.
* (يوصيكم الله) * شروع في بيان ما أجمل في قوله عز وجل * (للرجال نصيب) * (النساء: 7) الخ، " والوصية كما قال الراغب: ألتقدم إلى الغير ما يعمل فيه مقترنا بوعظ من قولهم: أرض واصية متصلة النبات " وهي في الحقيقة أمر له بعمل ما عهد إليه، فالمراد يأمركم الله ويفرض عليكم، وبالثاني: فسره في " القاموس " وعدل عن الأمر إلى الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام وطلب الحصول بسرعة.
* (في أولادكم) * أي في توريث أولادكم، أو في شأنهم وقدر ذلك ليصح معنى الظرفية، وقيل: في بمعنى اللام كما في خبر: " إن امرأة دخلت النار في هرة " أي لها كما صرح به النحاة، والخطاب قيل: للمؤمنين وبين المتضايفين مضاف محذوف أي يوصيكم في أولاد موتاكم لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده، وقيل: الخطاب لذوي الأولاد على معنى يوصيكم في توريثهم إذا متم وحينئذ لا حاجة إلى تقدير المضاف كما لو فسر يوصيكم بيبين لكم، وبدأ سبحانه بالأولاد لأنهم أقرب الورثة إلى الميت وأكثرهم بقاءا بعد المورث، وسبب نزول الآية ما أشرنا إليه فيما مر.
وأخرج عبد بن حميد عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض فقلت كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت:
* (للذكر مثل حظ الأنثيين) * في موضع التفصيل والبيان للوصية فلا محل للجملة من الإعراب؛ وجعلها أبو البقاء في موضع نصب على المفعولية ليوصي باعتبار كونه في معنى القول أو الفرض أو الشرع وفيه تكلف، والمراد أنه يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان من الذكور
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»