تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٩٨
جارية مما قبلها مجرى التعليل.
* (وءاتوا النساء) * أي اعطوا النساء اللاتي أمر بنكاحهن * (صدقاتهن) * جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال، وهي كالصداق بمعنى المهر، وقرىء صدقاتهن بفتح الصاد وسكون الدال، وأصلها بضم الدال فخففت بالتسكين، وصدقاتهن بضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة بوزن غرفة، وقرىء صدقتهن بضم الصاد والدال على التوحيد، وأصله صدقة بضم الصاد وسكون الدال فضمت الدال اتباعا لضم الأول كما يقال: ظلمة وظلمة.
* (نحلة) * أي فريضة قاله ابن عباس وابن زيد وابن جريج وقتادة فانتصابها على الحالية من الصدقات أي أعطوهن مهورهن حال كونها فريضة من الله تعالى لهن. وقال الزجاج، وابن خالويه: تدينا فانتصابها على أنها مفعول له أي أعطوهن ديانة وشرعة، وقال الكلبي: هبة وعطية من الله وتفضلا منه تعالى عليهن فانتصابها على الحالية من الصدقات أيضا، وقيل عطية: من الأزواج لهن فانتصابها على المصدر، أو على الحالية من ضمير آتوا أو من النساء أو من صدقاتهن. واعترض بأن الحال قيد للعامل فيلزم هنا كون الإيتاء قيدا للإيتاء والشيء لا يكون قيدا لنفسه، وأجيب بأن النحلة ليست مطلق الإيتاء بل هي نوع منه، وهو الإيتاء عن طيب نفس، فالمعنى أعطوهن صدقاتهن طيبي النفوس بالإعطاء، أو معاطاة عن طيب نفس، وعليه فالمصدر مبين للنوع. فإن قلت إن النحلة أخذ في مفهومها أيضا عدم العوض فكيف يكون المهر بلا عوض وهو في مقابلة البضع والتمتع به؟ أجيب بأنه لما كان للزوجة في الجماع مثل ما للزوج أو أزيد وتزيد عليه بوجوب النفقة والكسوة كان المهر مجانا لمقابلة التمتع بتمتع أكثر منه، وقيل: إن الصداق كان في شرع من قبلنا للأولياء بدليل قوله تعالى: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي) * (القصص: 27) الخ، ثم نسخ فصار ذلك عطية اقتطعت لهن فسمي نحلة، وأيد - غير واحد - قول الكلبي: بأن ما وضع له لفظ النحلة هو العطية من غير عوض كما ذهب إليه جماعة منهم الرماني، وجعل من ذلك النحلة للديانة لأنها كالنحلة التي هي عطية من الله تعالى والنحل للدبر لما يعطي من العسل، والناحل للمهزول لأنه يأخذ لحمه حالا بعد حال كأنه المعطيه بلا عوض، والمنحول من الشعر لأنه نحلة الشاعر ما ليس له، وحينئذ فمن فسر النحلة بالفريضة نظر إلى أن هذه العطية فريضة، والخطاب على ما هو المتبادر للأزواج، وإليه ذهب ابن عباس وجماعة، واختاره الطبري والجبائي وغيرهما قيل: كان الرجل يتزوج بلا مهر يقول: أرثك وترثيني؟ فتقول: نعم، فأمروا أن يسرعوا إلى إعطاء المهور، وقيل: الخطاب لأولياء النساء فقد أخرج ابن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوج أيما أخذ صداقها دونها فنهاهم الله تعالى عن ذلك ونزلت * (وآتوا النساء) * الخ، وروى ذلك الجارود من الإمامية عن الباقر رضي الله تعالى عنه، وهذه عادة كثير من العرب اليوم، وهو حرام كأكل الأزواج شيئا من مهور النساء بغير رضاهن.
* (فإن طبن لكم عن شيء منه) * الضمير للصدقات وتذكيره لإجرائه مجرى ذلك فإنه كثيرا ما يشار به إلى المتعدد كقوله تعالى: * (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) * (آل عمران: 15) بعد ذكر الشهوات المعدودة، وقد روي عن أبي عبيدة أنه قال: قلت لرؤبة في قوله:
فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق إن أردت الخطوط: فقل كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما، فقال: أردت كأن ذلك ويلك، أو للصداق الواقع موقعه صدقاتهن كأنه قيل: - وآتوا النساء صداقهن - والحمل على المعنى كثير، ومنه قوله تعالى:
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»