تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٥١
إثر بيان قباحتها، وفي ذلك من التسلية أيضا ما لا يخفى، وقد أدمج فيها بيان بعض آخر من شنائعهم وفضائحهم وهو إصرارهم على القبيح وفرحهم بذلك ومحبتهم لأن يوصفوا بما ليس فيهم من الأوصاف الجميلة، وأخرج سبحانه ذلك مخرج المعلوم إيذانا بشهرة اتصافهم به.
وقيل: إن الموصول عبارة عن أناس منافقين وهم طائفة معهودون من المذكورين وغيرهم، وأيد ذلك بما أخرجه الشيخان والبيهقي في " شعب الإيمان " عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت هذه الآية؛ وروي مثل ذلك عن رافع بن خديج وزيد بن ثابت وغيرهما، وقيل: المراد بهؤلاء المنافقون كافة، وقد كان أكثرهم من اليهود. وادعى بعضهم أنه الأنسب بما في حيز الصلة لشهرة أنهم كانوا يفرحون بما فعلوا من إظهار الإيمان وقلوبهم مطمئنة بالكفر ويستحمدون إلى المسلمين بالإيمان وهم عن فعله بألف منزل، وكانوا يظهرون محبة المؤمنين وهم في الغاية القاصية من العداوة، ولا يخفى عليك أنه وإن سلم كونه أنسب إلا أنه لم يوجد فيما نعلم من الآثار الصحيحة ما يؤيده، ومن هنا يعلم بعد القول بأن الأولى إجراء الموصول على عمومه شاملا لكل من يأتي بشيء من الحسنات فيفرح به فرح إعجاب، ويود أن يمدحه الناس بما هو عار منه من الفضائل منتظما للمعهودين انتظاما أوليا على أنه قد اعترض بأن انتظام المعهودين مطلقا فضلا عن كونه أوليا غير مسلم إلا إذا عمم ما في بما أتوا بحيث يشمل الحسنات الحقيقية وغيرها أما إذا خص بالحسنات كما يوهمه ظاهر هذا القول فلا يسلم الانتظام لأن أولئك الفرحين لم يأتوا بحسنة في نفس الأمر ليفرحوا بها فرح إعجاب كما لا يخفى، ولعل الأمر في هذا سهل، نعم يزيده بعدا ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في " الشعب " من طريق حميد بن عبد الرحمن أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرىء منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * (آل عمران: 187) إلى آخر الآيتين فإن لو كان الأولى إجراء الموصول على عمومه لأجراه حبر الأمة وترجمان القرآن، وأزال الإشكال بتقييد الفرح بفرح الإعجاب كما فعل صاحب هذا القول ولا يلزم من كلام الحبر على هذا عدم حرمة الفرح فرح إعجاب وحب الحمد بما لم يفعل بالمرة بل قصارى ما يلزم منه عدم كون ذلك مفاد الآية - كما قيل - وهو لا يستلزم عدم كونه مفاد شيء أصلا ليكون ذلك قولا بعدم الحرمة، كيف وكثير من النصوص ناطق بحرمة ذلك حتى عده البعض من الكبائر فليفهم، وأيا ما كان فالموصول مفعول أول - لتحسبن - وقوله تعالى: * (فلا تحسبنهم) * تأكيد له والعرب - كما قال الزجاج - إذا أطالت القصة تعيد حسبت وما أشبهها إعلاما بأن الذي جرى متصل بالأول وتوكيد له فتقول: لا تظنن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا فلا تظنه صادقا فيفيد لا تظنن توكيدا وتوضيحا، والفاء زائدة كما في قوله: فإذا هلكت (فعند) ذلك فاجزعي والمفعول الثاني في قوله سبحانه: * (بمفازة من العذاب) * أي متلبسين بنجاة منه على أن المفازة مصدر ميمي بمعنى الفوز، والتاء ليست للوحدة لبناء المصدر عليه، و * (من العذاب) * متعلق به، وجوز أن تكون المفازة اسم مكان أي محل فوز ونجاة،
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»