الالتفات وعكسه جعل الشيء نصب العين ومقابلها * (واشتروا به) * أي بالكتاب الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه، وقيل: الضمير للعهد والأول أولى، والمعنى أخذوا بدله * (ثمنا قليلا) * من حطام الدنيا الفانية وأعراضها الفاسدة * (فبئس ما يشترون) * أي بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن فما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل - بئس - وجملة يشترونه صفته، والمخصوص بالذم محذوف، وقيل: * (ما) * مصدرية فاعل - بئس - والمخصوص محذوف أي بئس شراؤهم هذا الشراء لاستحقاقهم به العذاب الأليم.
واستدل بالآية على وجوب إظهار العلم وحرمة كتمان شيء من أمور الدين لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب لنفوسهم واستجلاب لمسارهم واستجذاب لمبارهم ونحو ذلك، وفي الخبر " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار "، وروى الثعلبي بإسناده عن الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت: إن رأيت أن تحدثني؟ فقال: أما علمت أني تركت الحديث؟ فقلت: إما أن تحدثني وإما أن أحدثك؟ فقال: حدثني فقلت: حدثني الحكم ابن عيينة عن نجم الخراز قال: سمعت علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه يقول: ما أخذ الله تعالى على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني أربعين حديثا، وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة لولا ما أخذ الله تعالى على أهل الكتاب ما حدثتكم وتلا هذه الآية. وأخرج ابن سعد عن الحسن لولا الميثاق الذي أخذه الله تعالى على أهل العلم ما حدثكم بكثير مما تسألون عنه، ويؤيد الاستدلال بالآية على ما ذكر ما أخرجه ابن جرير عن أبي عبيدة قال: جاء رجل إلى قوم من المسجد وفيهم عبد الله بن مسعود فقال: إن كعبا يقرئكم السلام ويبشركم أن هذه الآية * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) * الخ ليست فيكم، فقال له عبد الله: وأنت فاقرئه السلام أنها نزلت - وهو يهودي - وأراد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن كعبا لم يعرف ما أشارت إليه وإن نزلت في أهل الكتاب.
* (لا تحسبن الذين يفرحون بمآ أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) *.
* (لا تحسبن) * خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب أي لا تظنن. * (الذين يفرحون بما أتوا) * أي بما فعلوا وبه قرأ أبي، وقرىء * (بما آتوا) * و * (بما أوتوا) * وروى الثاني عن علي كرم الله تعالى وجهه * (ويحبون أن يحمدوا) * أي أن يحمدهم الناس؛ وقيل: المسلمون، وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم * (بما لم يفعلوا) * قال ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم من طريق العوفي: هم أهل الكتاب أنزل عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق وحرفوا الكلام عن مواضعه وفرحوا بذلك وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الصلاة والصيام، وفي رواية البخاري وغيره عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه "، وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنهم يفرحون بكتمانهم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نطق بها كتابهم ويحبون أن يحمدوا بأنهم متبعون دين إبراهيم عليه السلام، فعلى هذا يكون الموصول عبارة عن المذكورين سابقا الذين أخذ ميثاقكم، وقد وضع موضع ضميرهم، وسبقت الجملة لبيان ما يستتبع أعمالهم المحكية من العذاب