معاينة الإحياء مع أن ما جرى له في القصة مما يبعد أن يجري مع كافر - وإذا انضم إلى ذلك تحريه الظاهر في الاحتراز عن الكذب في القول الصادر قبل التبيين الموجب لإيمانه على زعم من يدعي كفره - قوى المعارض جدا، وإن قلنا: بأن دلالة الانتظام في سلك نمروذ على الإيمان أحق لينطبق على التفصيل المقدم في * (الله ولى الذين آمنوا) * (البقرة: 257) الخ حسب ما أشرنا إليه في القيل قبل لم يكد يتوهم القول بالكفر كما لا يخفى، - والقرية - قال ابن زيد: هي التي خرج منها الألوف، وقال الكلبي: دير سابراباد، وقال السدي: دير سلما باذ، وقيل: دير هرقل، وقيل: المؤتفكة، وقيل: قرية العنب على فرسخين من بيت المقدس، وقال عكرمة والربيع ووهب: هي بيت المقدس وكان قد خربها بخنتصر وهذا هو الأشهر، واشتقاقها من القرى وهو الجمع * (وهي خاوية على عروشها) * أي ساقطة على سقوفها بأن سقط السقف أولا ثم تهدمت الجدران عليه، وقيل: المعنى خالية عن أهلها ثابتة على عروشها أي إن بيوتها قائمة والجار والمجرور على الأول متعلق - بخاوية - وعلى الثاني بمحذوف وقع خبرا بعد خبر - لهي - والجملة قيل: في موضع الحال من الضمير المستتر في (مر) وقيل: من (قرية) ويجيء الحال من النكرة على القلة، وقيل: في موضع الصفة لها ويبعده توسط الواو، ومن الناس من جوز كون * (على عروشها) * بدلا من * (قرية) * بإعادة الجار وكونه صفة لها، وجملة * (وهي خاوية) * إما حال من - العروش - أو من - القرية - أو من - ها - والعامل معنى الإضافة والكل مما لا ينبغي حمل التنزيل عليه * (قال) * في نفسه أو بلسانه * (أنى يحي هاذه الله بعد موتها) * المشار إليه إما نفس القرية بدون تقدير كما هو الظاهر، فالإحياء والإماتة مجازان عن العمارة والخراب، أو بتقدير مضاف - أي أصحاب هذه القرية - فالإحياء والإماتة على حقيقتها، وإما عظام القرية البالية وجثثهم المتفرقة، والسياق دال على ذلك، والإحياء والإماتة على حالهما أيضا، فعلى القول بالمجاز يكون هذا القول على سبيل التلهف والتشوق إلى عمارة تلك القرية لكن مع استشعار اليأس عنها على أبلغ وجه وأوكده ولذا أراه الله تعالى أبعد الأمرين في نفسه ثم في غيره، ثم أراه ما استبعده صريحا مبالغة في إزاحة ما عسى يختلف في خلده، وعلى القول الثاني يكون اعترافا بالعجز عن معرفة طريق الإحياء واستعظاما لقدرة المحيي إذا قلنا: إن القائل كان مؤمنا وإنكارا للقدرة على ذلك إن كان كافرا، ورجح أول الاحتمالات الثلاثة في المشار إليه بأن إرادة إحياء - لأهل، أو عظامهم - يأباه التعرض لحال القرية دون حال من ذكر، والاقتصار على ذكر موتهم دون كونهم ترابا أو عظاما نخرة مع كونه أدخل في الاستبعاد لشدة مباينته للحياة وغاية بعده عن قبولها على أنه لم تتعلق إرادته تعالى بإحيائهم كما تعلقت إرادته تعالى بعمارتها ومعاينة المار لها كما ستسمعه، وتقديم المفعول على الفاعل للاعتناء به من حيث إن الاستبعاد ناشىء من جهته لا من جهة الفاعل، و * (أنى) * نصب على الظرفية إن كانت بمعنى متى، وعلى الحالية من هذه إن كانت بمعنى كيف، والعامل فيه على أي حال * (يحيى) *.
* (فأماته الله مائة عام) * أي فألبثه ميتا مائة عام ولا بد من اعتبار هذا التضمين لأن الإماتة بمعنى إخراج الروح وسلب الحياة مما لا تمتد، - والعام - السنة من العوم وهو السباحة، وسميت بذلك لأن الشمس تعوم في جميع بروجها * (ثم بعثه) * أي أحياه من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها، ولعل إيثاره على أحياه للدلالة على سرعته وسهولة