المعنى * (ولنجعلك آية) * أي دليلا للناس بعثناك * (وانظر إلى العظام) * من القوى * (كيف ننشزها) * ونرفعها عن أرض الطبيعة * (ثم نكسوها لحما) * وهو العرفان الذي يكون لباسا لها، وعبر عنه باللحم لنموه وزيادته كلما تغذت الروح بأطعمة الشهود وأشربة الوصال، والمعنى الظاهر ظاهر * (فلما تبين) * ووضح * (له) * ذلك * (قال أعلم) * علما مستمرا * (أن الله على كل شيء) * ومن جملته ما كان * (قدير) * لا يستعصي عليه ولا يعجزه.
* (وإذ قال إبراهيم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولاكن ليطمئن قلبى قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) *.
* (وإذ قال إبراهيم) * بيان لتسديد المؤمنين إثر بيان ولمغايرته لما تقدم كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى غير الأسلوب والظرف منتصب إما بمضمر صرح بمثله في قوله تعالى: * (واذكروا إذ جعلكم خلفاء) * (الأعراف: 69) وإيجاب ذكر الوقت إيجاب لذكر ما فيه بطريق برهاني وإما - بقال - الآتي وقد تقدم تحقيق ذلك * (رب) * كلمة استعطاف شرع ذكرها قبل الدعاء مبالغة في استعداد الإجابة * (أرني) * من الرؤية البصرية المتعدية بهمزة النقل إلى مفعولين فالباء مفعوله الأول وقوله تعالى: * (كيف تحيى الموتى) * في محل مفعوله الثاني المعلق عنه، وإلى ذلك ذهب أكثر المعربين، واعترض بأن البصرية لا تعلق، وأجيب بأن ذلك إنما ذكره بعض النحاة، ورده ابن هشام بأنه سمع تعليقها، وفي " شرح التوضيح " يجوز كونها علمية، ومن الناس من لم يجعل (ما) هنا من التعليق في شيء وجعل كلمة * (كيف) * الخ في تأويل مصدر هو المفعول كما قاله ابن مالك في قوله تعالى: * (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) * (إبراهيم: 45) ثم الاستفهام - بكيف - إنما هو سؤال عن شيء متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، فالاستفهام هنا عن هيئة الإحياء المتقرر عند السائل أي - بصرني كيفية إحيائك للموتى - وإنما سأله عليه السلام لينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، وفي الخبر " ليس الخبر كالمعاينة " وكان ذلك حين رأى جيفة تمزقها سباع البر والبحر والهواء قاله الحسن والضحاك وقتادة، وهو المروي عن أهل البيت، وروي عن ابن عباس والسدي وسعيد بن جبير أن الملك بشره عليه السلام بأن الله تعالى قد اتخذه خليلا وأنه يجيب دعوته ويحيى الموتى بدعائه فسأل لذلك، وروى عن محمد بن إسحق بن يسار أن سبب السؤال منازعة النمروذ إياه في الاحياء حيث رد عليه لما زعم أن العفو إحياء وتوعده بالقتل إن لم يحي الله تعالى الميت بحيث يشاهده فدعا حينئذ * (قال) * استئناف مبني على السؤال والضمير للرب * (أو لم تؤمن) * عطف على مقدر - أي ألم تعلم ولم تؤمن بأني قادر على الإحياء كيف أشاء حتى تسألني عنه - أو بأني قد اتخذتك خليلا، أو بأن الجبار لا يقتلك * (قال) * أي إبراهيم * (بلى) * آمنت بذلك * (ولاكن) * سألت * (ليطمئن) * أي يسكن * (قلبي) * بمضامة الأعيان إلى الإيمان والإيقان بأنك قادر على ذلك، أو: ليطمئن قلبي بالخلة أو بأن الجبار لا يقتلني، وعلى كل تقدير لا يعود نقص على إبراهيم من هذا السؤال ولا ينافي منصب النبوة أصلا، وللناس ولوع بالسؤال عن هذه الآية - وما ذكر هو المشهور فيها - ويعجبني ما حرره بعض المحققين في هذا المقام وبسطه في الذب عن الخليل عليه السلام من الكلام، وهو أن السؤال لم يكن عن شك في أمر ديني والعياذ بالله ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء ليحيط علما بها وكيفية الإحياء لا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها، فالخليل عليه السلام طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة * (كيف) * وموضوعها السؤال عن الحال، ونظير هذا أن يقول القائل: كيف يحكم زيد في الناس فهو لا يشك أنه يحكم فيهم ولكنه سأل عن كيفية حكمه المعلوم ثبوته ولو كان سائلا عن