تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٦
من أول الأمر بتأييد وليه له في المحاجة فإن التربية نوع من الولاية.
* (أن ءات‍اه الله الملك) * أي لأن آتاه الله تعالى ذلك فالكلام على حذف اللام وهو مطرد في - أن، وإن - وليس هناك مفعولا لأجله منصوب لعدم اتحاد الفاعل، والتعليل فيه على وجهين: إما أن إيتاء الملك حمله على ذلك لأنه أورثه الكبر والبطر فنشأت المحاجة عنهما، وإما أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجة موضع الشكر إذ كان من حقه أن يشكر على ذلك فعلى الأول: العلة تحقيقية، وعلى الثاني: تهكمية - كما تقول: عاداني فلان لأني أحسنت إليه - وجوز أن يكون * (آتاه) * الخ واقعا موقع الظرف بدون تقدير أو بتقدير مضاف أي حاج وقت أن آتاه الله وأورد عليه أن المحاجة لم تقع وقت إيتاء الملك بل الإيتاء سابق عليها، وبأن النحاة نصوا على أنه لا يقوم مقام الظرف الزماني إلا المصدر الصريح بلفظه - كجئت خفوق النجم، وصياح الديك - ولا يجوز إن خفق وإن صاح. وأجيب باعتبار الوقت ممتدا، وبأن النص معارض بأنهم نصوا على أن (ما) المصدرية تنوب عن الزمان وليست بمصدر صريح، والذي جوز ذلك ابن جني والصفار في " شرح الكتاب "، والحق أن التعليل لما أمكن - وهو متفق عليه - خال عما يقال لا ينبغي أن يعدل عنه لا سيما وتقدير المضاف مع القول بالامتداد والتزام - قول ابن جني والصفار مع مخالفته لكلام الجمهور - في غاية من التعسف، والآية حجة على من منع إيتاء الله الملك لكافر وحملها على إيتاء الله تعالى ما غلب به وتسلط من المال والخدام والاتباع، أو على أن الله تعالى ملكه امتحانا لعباده كما فعل المانع القائل بوجوب رعاية الأصلح - ليس بشيء إذ من له مسكة من الإنصاف يعلم أنه لا معنى لإيتاء الملك والتسليط إلا إيتاء الأسباب ولو سلم ففي إيتاء الأسباب يتوجه السؤال ولو سلم فما من قبيح إلا ويمكن أن يعتبر فيه غرض صحيح كالامتحان، ولقوة هذا الاعتراض التزم بعضهم جعل ضمير * (آتاه) * لإبراهيم عليه السلام لأنه تعالى قال: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (البقرة: 124) وقال سبحانه: * (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) * (النساء: 54) وهو المحكي عن أبي قاسم البلخي - ولا يخفى أنه خلاف المنساق إلى الذهن - وخلاف التفسير المأثور عن السلف الصالح، والواقع مع هذا يكذبه إذ ليس لإبراهيم عليه السلام إذ ذاك ملك ولا تصرف ولا نفوذ أمر.
وذهب بعض الإمامية إلى أن الملك الذي لا يؤتيه الله للكافر هو ما كان بتمليك الأمر والنهي، وإيجاب الطاعة على الخلق، وأما ما كان بالغلبة وسعة المال ونفوذ الكلمة قهرا كملك نمروذ فهو مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان أو تكون فيه كلمتان، والقول بأن هذا المارد أعطى الملك بالاعتبار الأول خارج عن الإنصاف بل الذي أوتي ذلك في الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا أنه قد عورض في ملكه وغولب على ما من الله تعالى به عليه إلى أن قضى الله تعالى ما قضى ومضى من مضى وللباطل جولة ثم يزول، وهو كلام أقرب ما يكون إلى الصواب لكني أشم منه ريح الضلال، ويلوح لي أنه تعريض بالأصحاب - والله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور - وفي العدول عن الإضمار إلى الإظهار في هذا المقام ما لا يخفى.
* (إذ قال إبراهم) * ظرف لحاج، وجوز أن يكون بدلا من (آتاه) بناءا على القول الذي علمت، واعترضه أبو حيان بأن الظرفين مختلفان إذ وقت إيتائه الملك ليس وقت إبراهيم عليه السلام * (ربي الذي يحي ويميت) * فإنه على ما روي قاله بعد أن سجن لكسره الأصنام وإثر قول نمروذ له - وقد كان أوتي قبل الملك: من ربك الذي تدتو إليه؟ وأجاب السفاقسي بالتجوز في * (آتاه) * وعدم إرادة ابتداء الإتيان منه بل زمان الملك وهو ممتد يسع قولين بل أقوالا، واعترض أبو البقاء أيضا بأن المصدر غير الظرف فلو كان
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»