النحويين وحذف لدلالة - ألم تر - عليه على أنه قد قيل: إن مثال هذا النظم كثيرا ما يحذف منه فعل الرؤية كقوله: قال لها كلابها أسرعي * كاليوم (مطلوبا ولا طابا) وجيء بهذه الكاف للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما كما في قولك - الفعل الماضي - مثل: نصر، وتخصيص هذا بذلك على ما قيل: لأن منكر الإحياء كثير، والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى بخلاف مدعي الربوبية، وقيل: إنها زائدة - وإلى ذلك ذهب الأخفش - أي: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو الذي مر الخ، وقيل: إنه عطف محمول على المعنى كأنه قيل: ألم تر كالذي حاج أو كالذي مر وقيل: إنه من كلام إبراهيم عليه السلام ذكره جوابا لمعارضة ذلك الكافر، وتقديره وإن كنت تحيي فأحي كإحياء الذي مر، ولا يخفى ضعفه للفصل وكثرة التقدير، وإنما لم تجعل الكاف أصلية والعطف على * (الذي) * نفسه في الآية السابقة لاستلزامه دخول (إلى) على الكاف، وفيه إشكال لأنها إن كانت حرفية فظاهر وإن كانت اسمية فلأنها مشبهة بالحرف في عدم التصرف لا يدخل عليها من الحروف إلا ما ثبت في كلامهم، وهو - عن - وذلك على قلة أيضا، وقال بعضهم: إن كلا من لفظ (ألم تر) و (أرأيت) مستعمل لقصد التعجب إلا أن الأول: تعلق بالتعجب منه فيقال: ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى أنظر إليه فتعجب من حاله، والثاني: بمثل المتعجب منه فيقال - أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل ولا يصح ألم تر إلى مثله إذ يكون المعنى أنظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع، ولذا لم يستقم عطف (الذي مر) على (الذي حاج) (البقرة: 258) ويحتاج إلى التأويل في المعطوف بجعله متعلقا بمحذوف - أي أرأيت كالذي مر - فيكون من عطف الجملة أو في المعطوف عليه نظرا إلى أنه في معنى - أرأيت كالذي حاج - فيصح العطف عليه؛ ومن هذا يعلم أن عدم الاستقامة ليس لمجرد امتناع دخول (إلى) على الكاف بل لو قلت: ألم ترى إلى الذي حاج أو مثل الذي مر فعدم الاستقامة بحاله عند من له معرفة بأساليب الكلام، وإن هذا ليس من زيادة الكاف في شيء بل لا بد في التعجب بكلمة (أرأيت) من إثبات كاف، أو ما في معناه - ولا يخفى أن هذا من الغرابة بمكان - فإن (ألم تر) يستعمل للتعجب مع التشبيه في كلام العرب كما يشير إليه كلام سيبويه، و (أرأيت) كثيرا ما يستعمل بدون الكاف أو ما في معناه، وهو في القرآن كثير وكيف يفرق بينهما بأن الأول تعلق بالمتعجب منه، وفي الثاني بمثله، والمثلية إنما جاءت من ذكر الكاف ولو ذكرت في الأول لكان مثله بلا فرق فهذا مصادرة على المطلوب فليس إلا ما ذكر أولا سوى أن تقدير (أرأيت) مع الكاف أولى لأن استعماله معها أكثر فتدبر.
و (أو) للتخيير أو للتفصيل - والمار - هو عزيز بن شرخيا - كما أخرجه الحاكم عن علي كرم الله تعالى وجهه وإسحق بن بشر عن ابن عباس وعبد الله بن سلام، وإليه ذهب قتادة وعكرمة والربيع والضحاك والسدي وخلق كثير - وقيل: هو أرميا بن خلقيا من سبط هارون عليه السلام - وهو المروي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه - وإليه ذهب وهب، وقيل: هو الخضر عليه السلام - وحكي ذلك عن ابن إسحق - وزعم بعضهم أن هذين القولين واحد، وأن أرميا هو الخضر بعينه، وقيل: شعيا، وقيل: غلام لوط عليه السلام، وقال مجاهد: كان المار رجلا كافرا بالبعث وأيد بنظمه مع نمروذ في سلك واحد حيث سيق الكلام للتعجيب من حالهما، وبأن كلمة الاستبعاد في هذا المقام تشعر بالإنكار ظاهرا وليست هي فيه مثلها في * (أنى يكون لي غلام) * (آل عمران: 40) و * (أنى يكون لي ولد) * (آل عمران: 47) وعورض بما بين قصته إبراهيم الآتية بعد من التناسب المعنوي فإن كليهما طلبا