ذرىء منه الولد، والولد ذريء من الأب إلا أن المتبادر من الذرية النسل - وقد تقدم الكلام عليه -. والمعنى أنهم ذرية واحدة متشبعة البعض من البعض في النسب كما ينبىء عنه التعرض لكونهم ذرية، وروي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه - واختاره الجبائي - وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: * (بعضها من بعض) * في النية والعمل والاخلاص والتوحيد، و * (من) * على الأول: ابتدائية والاستمالة تقريبية وعلى الثاني: اتصالية والاستمالة برهانية، وقيل: هي اتصالية فيهما * (والله سميع) * لأقوال العباد * (عليم) * بأفعالهم وما تكنه صدورهم فيصطفي من يشاء منهم، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها.
* (إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) *.
* (إذ قالت امرأت عمران) * تقرير للاصطفاء وبيان لكيفيته، والظرف في حيز النصب على المفعولية بفعل محذوف أي اذكر لهم وقت قولها، وقيل: هو منصوب على الظرفية لما قبله، وهو * (سميع عليم) * (آل عمران: 34) على سبيل التنازل أو - السميع - ولا يضر الفصل بينهما بالأجنبي لتوسعهم في الظروف، وقيل: هو ظرف لمعنى الاصطفاء المدلول عليه - باصطفى - المذكور كأنه قيل: واصطفى آل عمران. * (إذ قالت) * الخ فكان من عطف الجمل لا المفردات على المفردات ليلزم كون اصطفاء الكل في ذلك الوقت، وامرأة عمران هي حنة بنت فاقوذا - كما رواه إسحق بن بشر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والحاكم عن أبي هريرة - وهي جدة عيسى عليه الصلاة والسلام وكان لها أخت اسمها إيشاع تزوجها زكريا عليه الصلاة والسلام - هي أم يحيى - فعيسى ابن خالة يحيى - كما ذكر ذلك غير واحد من الإخباريين - ويشكل عليه ماأخرجه الشيخان في حديث المعراج من قوله صلى الله عليه وسلم: " فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا " وأجاب صاحب " التقريب " بأن الحديث مخرج على المجاز فإنه كثيرا ما يطلق الرجل اسم الخالة على بنت خالته لكرامتها عليه، والغرض أن بينهما عليهما الصلاة والسلام هذه الجهة من القرابة وهي جهة الخؤلة، وقيل: كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولا أم حنة فولدت له إيشاع ثم نكح حنة بناءا على حل نكاح الربائب في شريعتهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من الأم، وفيه أنه مخالف لما ذكره محيي السنة من أن إيشاع وحنة بنتا فاقوذا على أنه بعيد لعدم الرواية في الأمرين. أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حنة امرأة عمران كانت حبست عن الولد والمحيض فبينا هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخا له فتحركت نفسها للولد فدعت الله تعالى أن يهب لها ذكرا فحاضت من ساعتها فلما طهرت أتاها زوجها فلما أيقنت بالولد قالت: لئن نجاني الله تعالى ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررا ولم يكن يحرر في ذلك الزمان إلا الغلمان فقال لها زوجها: أرأيت إن كان ما في بطنك أنثى - والأنثى عورة - فكيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك:
* (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني) * وهذا في الحقيقة استدعاء للولد الذكر لعدم قبول الأنثى فيكون المعنى - رب إني نذرت لك ما في بطني فاجعله ذكرا على حد أعتق عبدك عني - وجعله بعض الأئمة تأكيدا لنذرها وإخراجا له عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز واللام من * (لك) * للتعليل، والمراد لخدمة بيتك - والمحرر - من لا يعمل للدنيا ولا يتزوج ويتفرغ لعمل الآخرة ويعبد الله تعالى ويكون في خدمة الكنيسة - قاله ابن عباس