تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٥
وقيل: علماء مؤمني الكتاب، وقيل: جميع علماء المؤمنين الذين عرفوا وحدانيته تعالى بالدلائل القاطعة والحجج الباهرة، وقدم - الملائكة - لأن فيهم من هو واسطة لإفادة العلم لذويه، وقيل: لأن علمهم كله ضروري بخلاف البشر فإن علمهم ضروري واكتسابي، ثم إن ارتفاع هذين المرفوعين على ما شذ من القراءة على الابتدائية والخبر محذوف لدلالة الكلام عليه أي: والملائكة وأولوا العلم شهداء بذلك، وقيل: بالعطف على الضمير في شهداء وصح ذلك للفصل، واعترض بأن ذلك على قراءة النصب على الحالية يؤدي إلى تقييد حال المذكورين - بشهادة الملائكة وأولوا العلم - وليس فيه كثير فائدة كما لا يخفى.
وقوله تعالى: * (قآئما بالقسط) * بيان لكماله تعالى في أفعاله إثر بيان كماله في ذاته، و - القسط - العدل، والباء للتعدية أي مقيما بالعدل، وفي انتصاب * (قائما) * وجوه: الأول: أن يكون حالا لازمة من فاعل * (شهد) * ويجوز إفراد المعطوف عليه بالحال دون المعطوف إذا قامت قرينة تعينه معنوية أو لفظية، ومنه * (ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة) * (الأنبياء: 72) وأخرت الحال عن المعطوفين للدلالة على علو مرتبتهما وقرب منزلتهما، والمسارعة إلى إقامة شهود التوحيد اعتناءا بشأنه ولعله السر في تقديمه على المعطوفين مع الإيذان بأصالته تعالى في الشهادة به، والثاني: أن يكون منصوبا على المدح وهو وإن كان معروفا في المعرفة لكنه ثابت في غيرها أيضا، والثالث: أن يكون وصفا لاسم - لا - المبني، واستبعد بأنهم إنما يتسعون بالفصل بين الموصوف والصفة بفاصل ليس أجنبيا من كل وجه، والمعطوف على فاعل * (شهد) * أجنبي مما هو في صلة - أن - لفظا ومعنى، وبأنه متلبس بالحال فينبغي على هذا أن يرفع حملا على محل اسم - لا - رفعا للالتباس. والرابع: أن يكون مفعول العلم أي: أولوا المعرفة قائما بالقسط ولا يخفى بعده، الخامس: - ولعله الأوجه - أن يكون حالا من الضمير والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد أو أحقه لأنها حال مؤكدة ولا يضر تخلل المعطوفين هنا بخلافه في الصفة لأن الحال المؤكدة في هذا القسم جارية مجرى جملة مفسرة نوع تفسير فناسب أن يقدم المعطوفان لأن المشهود به واحد فهو نوع من تأكيده تمم بالحال المفسرة وعلى تقدير الحالية من الفاعل والمفعولية للعلم لا يندرج في المشهود به وعلى تقدير النصب على المدح يحتمل الاندراج وعدمه، وعلى التقديرين الأخيرين يندرج لا محالة. وقرأ عبد الله - القائم بالقسط - على أنه خبر لمبتدأ محذوف وكونه بدلا من * (هو) * لا يخلو عن شيء، وقرأ أبو حنيفة: * (قيما بالقسط) *.
* (لا إل‍اه إلا هو) * تكرير للمشهود به للتأكيد، وفيه إشارة إلى مزيد الاعتناء بمعرفة أدلته لأن تثبيت المدعى إنما يكون بالدليل، والاعتناء به يقتضي الاعتناء بأدلته ولينبني عليه قوله تعالى: * (العزيز الحكيم) * فيعلم أنه المنعوت بهما، وقيل: لا تكرار لأن الأول شهادة الله تعالى وحده، والثاني: شهادة الملائكة وأولى العلم، وهو ظاهر عند من يرفع - الملائكة - بفعل مضمر، ووجه الترتيب تقدم العلم بقدرته التي يفهمها (العزيز) على العلم بحكمته تعالى التي يؤذن بها (الحكيم) وجعل بعضهم (العزيز) ناظرا إلى قوله سبحانه: * (لا إله إلا هو) * و * (الحكيم) * ناظرا إلى قوله تعالى: * (قائما بالقسط) * ورفعهما على الخبرية لمبتدأ محذوف أو البدلية من * (هو) * أو الوصفية له بناءا على ما ذهب إليه السكاكي من جواز وصف ضمير الغائب، وجعلهما نعتا لفاعل * (شهد) * بعيد.
وقد روي في فضل الآية أخبار. أخرج الديلمي عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا " لما نزلت الحمد لله رب العالمين، وآية الكرسي، وشهد الله،
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»