تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٢
أولئك المتقون؟ فقيل: هم الذين الخ، وأن يكون في موضع نصب على المدح، وأن يكون في حيز الجر على أنه تابع - للذين اتقوا - نعتا أو بدلا، أو العباد كذلك، واعترض كونه نعتا للعباد بأن فيه تخصيص الإبصار ببعض العباد، وفيه أن ذلك التخصيص لا يوهم الاختصاص لظهور الأمر بل يفيد الاهتمام بشأنهم ورفعة مكانهم، واعترض أيضا كونه تابعا للمتقين بأنه بعيد جدا لا سيما إذا جعل اللام متعلقا - بخير - لكثرة الفواصل بين التابع والمتبوع، وأجيب بأنه لا بأس بهذا الفصل كما لا بأس بالفصل بين الممدوح والمدح إذ الصفة المادحة المقطوعة تابعة في المعنى ولهذا يلزم حذف الناصب أو المبتدأ لئلا يخرج الكلام عن صورة التبعية فالفرق بين هذه وسائر التوابع في قبح الفصل وعدمه خفي لا بد له من دليل نبيل، وفيه أن قياس التبعية لفظا ومعنى على التبعية معنى فقط مما لا ينبغي من جاهل فضلا عن عالم فاضل، والتزام حذف الناصب أو المبتدأ في صورة القطع للمدح أو للذم قد يقال: إنه لدفع توهم الإخبار، والمقصود الإنشاء لا لئلا يخرج الكلام عن صورة التبعية، وتأكيد الجملة لإظهار أن إيمانهم ناشىء من وفور الرغبة وكمال النشاط، وفي ترتيب طلب المغفرة في قوله تعالى: * (فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) * على مجرد الإيمان دليل على كفايته في استحقاق المغفرة والوقاية من النار من غير توقف على الطاعات، والمراد من الذنوب الكبائر والصغائر.
* (الص‍ابرين والص‍ادقين والق‍انتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) *.
* (الص‍ابرين) * يجوز أن يكون مجرورا وأن يكون منصوبا صفة - للذين - إن جعلته في موضع جر أو نصب وإذا جعلته في محل رفع كان هذا منصوبا على المدح. والمراد بالصبر - الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن محارمه - قاله قتادة، وحذف المتعلق يشعر بالعموم فيشمل الصبر على البأساء والضراء وحين البأس * (والص‍ادقين) * في نياتهم وأقوالهم سرا - وعلانية وهو المروي عن قتادة أيضا - * (والق‍انتين) * أي المطيعين - قاله ابن جبير - أو المداومين على الطاعة والعبادة - قاله الزجاج - أو القائمين بالواجبات - قاله القاضي - * (والمنفقين) * من أموالهم في حق الله تعالى - قاله ابن جبير - أيضا * (والمستغفرين بالأسحار) * قال مجاهد والكلبي وغيرهما: أي المصلين بالأسحار. وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: هم الذين يشهدون صلاة الصبح، وأخرج ابن جرير عن ابن عمر أنه كان يحيى الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فيقول: لا فيعاود الصلاة فإذا قال: نعم قعد يستغفر الله تعالى ويدعو حتى يصبح، وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة " وروى الرضا عن أبيه عن أبي عبد الله " أن من استغفر الله تعالى في وقت السحر سبعين مرة فهو من أهل هذه الآية " والباء في - بالأسحار - بمعنى في، وهي جمع - سحر - بفتح الحاء المهملة وسكونها سميت أواخر الليالي بذلك لما فيها من الخفاء - كالسحر - للشيء الخفي. وقال بعضهم: السحر من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر.
وتخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة إذ العبادة حينئذ أشد والنفس أصفى والروع أجمع، وفي " الصحيح ": " أنه تعالى - وتنزه عن سماة الحدوث - ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر ". وأخرج ابن جرير وأحمد عن سعيد الجريري قال: " بلغنا أن داود عليه الصلاة والسلام سأل جبريل
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»