تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٩٤
أو بوقود أي توقد بهم كما توقد بأولئك - ولا يخفى ما في الوجهين - أما الأول: فقد قال فيه أبو حيان: إنه ضعيف للفصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي، و (أولئك) الخ إذا قدرت معطوفة، فإن قدرت استئنافية وهو بعيد جاز. وأما الثاني: فقد اعترضه الحلبي بأن الوقود على المشهور الأظهر فيه اسم لما يوقد به وإذا كان اسما فلا عمل له. فإن قيل إنه مصدر كما في قراءة الحسن صح لكنه لم يصح وأورد عليهما معا أنهما خلاف الظاهر لأن المذكور في تفسير الدأب إنما هو التكذيب والأخذ من غير تعرض لعدم الإغناء لا سيما على تقدير كون * (من) * بدلية - ولا - لإيقاد النار فليفهم * (والذين من قبلهم) * وهم كفار الأمم الماضية فالضمير لآل فرعون، وقيل: للذين كفروا، والمراد بالموصول معاصرو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذبوا بآياتنا) * تفسير لدأبهم الذي فعلوا على سبيل الاستئناف البياني، والمراد بالآيات إما المتلوة في كتب الله تعالى أو العلامات الدالة على توحيد الله تعالى وصدق أنبيائه عليهم الصلاة والسلام * (فأخذهم الله) * تفسير - لدأبهم - الذي فعل بهم أي فعاقبهم الله تعالى ولم يجدوا من بأس الله تعالى محيصا، وقيل: إن جملة * (كذبوا) * الخ في حيز النصب على الحال من * (آل فرعون والذين من قبلهم) * بإضمار قد، ويجوز على بعد أن تكون في حيز الرفع على أنها خبر عن الذين والالتفات للتكلم أولا: في آياتنا للجري على سنن الكبرياء، وإلى الغيبة ثانيا: بإظهار الجلالة لتربية المهابة وإدخال الروعة. * (بذنوبهم) * أي بسببها أو متلبسين بها غير تائبين، والمراد من الذنوب على الأول: التكذيب بالآيات المتعددة، وجيء بالسببية تأكيدا لما تفيده الفاء، وعلى الثاني: سائر الذنوب، وفي ذلك إشارة إلى أن لهم ذنوبا أخر، وأصل الذنب التلو والتابع، ثم أطلق على الجريمة لأنها يتلو - أي يتبع - عقابها فاعلها * (والله شديد العقاب) * لمن كفر بآيات، والجملة تذييل مقررة لمضمون ما قبلها من الأخذ.
* (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) *.
* (قل للذين كفروا ستغلبون) * روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله تعالى المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى عليه الصلاة والسلام ونجده في كتابنا بنعته وصفته وأنه لا يرد له راية وأرادوا تصديقه واتباعه ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا وقالوا: لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن إسحاق والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا " أن رسول الله لما أصاب ما أصاب من بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله تعالى بما أصاب قريشا فقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تكن مثلنا " فأنزل الله تعالى: * (قل للذين كفروا) * إلى قوله سبحانه: * (لأولي الأبصار) * (آل عمران: 12، 13) فالمراد من الموصول اليهود، والسين لقرب الوقوع أي تغلبن عن قريب وأريد منه في الدنيا، وقد صدق الله تعالى وعده رسوله صلى الله عليه وسلم
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»