تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
بعد المساس فعليه في صورة التسمية تمام المسمى، وفي صورة عدمها تمام مهر المثل، هذه أربع صور للمطلقة نفت الآية بمنطوقها الوجوب في بعضها، واقتضى مفهومها الوجوب في الجملة في البعض الآخر، قيل: وههنا إشكال قوى، وهو أن ما بعد (أو) التي بمعنى حتى التي بمعنى إلى نهاية للمعطوف عليه فقولك لألزمنك أو تقضيني حقي معناه أن اللزوم ينتهي إلا الاعطاء فعلى قياسه يكون فرض الفريضة نهاية عدم المساس لا عدم الجناح، وليس المعنى عليه، وأجيب بأن ما بعدها عطف على الفعل وهو مرتبط بما قبله فهو معنى مقيد به فكأنه قيل: أنتم ما لم تمسوهن بغير جناح وتبعة إلا إذا - فرضت الفريضة - فيكون الجناح لأن المقيد في المعنى ينتهي برفع قيده فتأمل، ومن الناس من جعل كلمة (أو) عاطفة لمدخولها على ما قبلها من الفعل المجزوم، ولم حينئذ لنفي أحد الأمرين لا بعينه، وهو نكرة في سياق النفي فيفيد العموم أي ما لم يكن منكم مسيس، ولا فرض على حد * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الإنسان: 24) واعترضه القطب بأنه يوهم تقدير حرف النفي فيصير ما لم تمسوهن وما لم تفرضوا فيكون الشرط حينئذ أحد النفيين لا نفي أحد الأمرين فيلزم أن لا يجب المهر إذا عدم المسيس ووجد الفرض أو عدم الفرض ووجد المسيس، ولا يخفى أنه غير وارد، ولا حاجة إلى القول بأن (أو) بمعنى الواو كما في قوله تعالى: * (أو يزيدون) * (الصافات: 147) على رأي * (ومتعوهن) * أي ملكوهن ما يتمتعن به وذلك الشيء يسمى متعة وهو عطف على ما هو جزاء في المعنى كأنه قيل: إن طلقتم النساء فلا جناح ومتعوهن، وعطف الطلبي على الخبري على ما في " الكشف " لأن الجزاء جامع جعلهما كالمفردين أي الحكم هذا وذاك، أو لأن المعنى فلا جناح وواجب هذا، أو فلا تعزموا ذلك ومتعوهن، وجوز أن يكون عطفا على الجملة الخبرية عطف القصة على القصة وأن يكون اعتراضا بالواو واردا لبيان ما يجب للمطلقات المذكورات على أزواجهن بعد التطليق، والعطف على حذوف ينسحب عليه الكلام أي فطلقوهن ومتعوهن يأباه الذوق السليم إذ لا معنى لقولنا إذا طلقتم النساء فطلقوهن إلا أن يكون المقصود المعطوف، والحكمة في إعطاء المتعة جبر إيحاش الطلاق، والظاهر فيها عدم التقدير لقوله تعالى:
* (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * أي على كل منهما مقدار ما يطيقه ويليق به كائنا ما كان، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما متعة الطلاق أعلاها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة، وعن ابن عمر أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهما، وقال الإمام أبو حنيفة: هي درع وخمار وملحفة على حسب الحال إلا أن يقل مهر مثلها من ذلك فلها الأقل من نصف مهر المثل، ومن المتعة ولا ينتقص من خمسة دراهم، والموسع من يكون ذا سعة وغنى من أوسع الرجل إذا أكثر ماله واتسعت حاله، والمقتر من يكون ضيق الحال من - أقتر - إذا افتقر وقل ما في يده وأصل الباب الإقلال، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب مبينة لمقدار حال المتعة بالنظر إلى حال المطلق - إيسارا وإقرارا - والجمهور على أنها في موضع الحال من فاعل * (متعوهن) *، والرابط محذوف أي منكم، ومن جعل الألف واللام عوضا عن المضاف إليه أي على موسعكم الخ استغنى عن القول بالحذف. وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة إلا أبا بكر. وابن ذكوان * (قدره) * بفتح الدال، والباقون بإسكانها وهما لغتان فيه، وقيل: - القدر - بالتسكين الطاقة وبالتحريك المقدار، وقرىء * (قدره) * بالنصب ووجه بأنه مفعول على المعنى لأن معنى * (متعوهن) * الخ ليؤد كل منكم - قدر - وسعه قال أبو البقاء: وأجود من هذا أن يكون التقدير فأوجبوا على الموسع قدره.
* (مت‍اعا) * اسم مصدر أجري مجراه أي تمتيعا * (بالمعروف) * أي متلبسا بالوجه الذي يستحسن وهو في محل الصفة -
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»