تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٦٤
المسير سائرين على أقدام الصدق أو راكبين على مطايا العزم ولا يصدنكم الخوف عن ذلك * (فإذا أمنتم) * بعد الرجوع عن ذلك السفر إلى الوطن الأصلي بكشف الحجاب * (فاذكروا الله) * (البقرة: 239) أي فصلوا له بكليتكم حتى تفنوا فيه أو فإذا أمنتم بالرجوع إلى البقاء بعد الفناء فاذكروا الله تعالى لحصول الفرق بعد الجمع حينئذ، وأما قبل ذلك فلا ذكر إذ لا امتياز ولاتفصيل وقد قيل للمجنون: أتحب ليلى؟ فقال: ومن ليلى؟! أنا ليلى، وقال بعضهم: أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته أبصرتنا * (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) * أي أوطانهم المألوفة ومقار نفوسهم المعهودة ومقاماتهم ومراتبهم من الدنيا وما ركنوا إليها بدواعي الهوى * (وهم) * قوم * (ألوف) * كثيرة أو متحابون متألفون في الله تعالى حذر موت الجهل والانقطاع عن الحياة الحقيقية والوقوع في المهاوي الطبيعية * (فقال لهم الله موتوا) * أي أمرهم بالموت الاختياري أو أماتهم عن ذواتهم بالتجلي الذاتي حتى فنوا فيه ثم أحياهم بالحياة الحقيقية العلمية أو به بالوجود الحقاني - والبقاء بعد الفناء - * (إن الله لذو فضل على) * سائر * (الناس) * بتهيئة أسباب إرشادهم * (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * (البقرة: 243) لمزيد غفلتهم عما يراد بهم * (وقاتلوا في سبيل الله) * النفس والشيطان * (واعلموا أن الله سميع) * هواجس نفوس المقاتلين في سبيله * (عليم) * (البقرة: 244) بما في قلوبهم * (من ذا الذي يقرض الله) * ويبذل نفسه له بذلا خالصا عن الشركة * (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) * بظهور نعوت جماله وجلاله فيه - * (والله يقبض) * أرواح الموحدين - بقبضته الجبروتية في نور الأزلية، * (ويبسط) * (البقرة: 245) أسرار العارفين من قبضة الكبرياء وينشرها في مشاهدة ثناء الأبدية، ويقال: القبض سره والبسط كشفه، وقيل: القبض للمريدين والبسط للمرادين أو الأول: للمشتاقين والثاني: للعارفين، والمشهور أن القبض والبسط حالتان بعد ترقي العبد عن حالة الخوف والرجاء فالقبض للعارف كالخوف للمستأمن، والفرق بينهما أن الخوف والرجاء يتعلقان بأمر مستقبل مكروه أو محبوب، والقبض والبسط بأمر حاضر في الوقت يغلب على قلب العارف من وارد غيبي وكان الأول: من آثار الجلال والثاني: من آثار الجمال.
* (ألم تر إلى الملإ من بنىإسرءيل من بعد موسىاإذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نق‍اتل فى سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تق‍اتلوا قالوا وما لنآ ألا نق‍اتل فى سبيل الله وقد أخرجنا من دي‍ارنا وأبنآئنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظ‍المين) * * (ألم تر إلى الملإ من بني إسراءيل) * الملأ من القوم وجوههم وأشرافهم وهو اسم للجماعة لا واحد له من لفظه، وأصل الباب الاجتماع فيما لا يحتمل المزيد وإنما سمي الأشراف بذلك لأن هيبتهم تملأ الصدور أو لأنهم يتمالؤن أي يتعاونون بما لا مزيد عليه، و (من) للتبغيض والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من الملأ * (من بعد موسى) * أي من بعد وفاته عليه السلام، و (من) للإبتداء وهي متعلقة بما تعلق به ما قبله ولا يضر اتحاد الحرفين لفظا لاختلافهما معنى * (إذ قالوا لنبي لهم) * قال أبو عبيدة: هو أشمويل بن حنة بن العاقر - وعليه الأكثر -. وعن السدي أنه شمعون وقال قتادة: هو يوشع بن نون لمكان * (من بعد) * من قبل وهي ظاهرة في الاتصال، ورد بأن يوشع هذا فتى موسى عليهما السلام وكان بينه وبين داود قرون كثيرة والاتصال غير لازم، و * (إذ) * متعلقة بمضمر يستدعيه المقام أي: ألم تر قصة الملأ أو حديثهم حين قالوا: * (ابعث لنا ملكا) * أي أقم لنا أميرا، وأصل البعث إرسال المبعوث من المكان الذي هو فيه لكن يختلف باختلاف متعلقه يقال: بعث البعير من مبركه إذا أثاره وبعثته في السير إذا هيجته، وبعث الله تعالى الميت إذا أحياه، وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال.
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»