تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٤٢
رضي الله تعالى عنه رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحللها لزوجها ففرق بينهما، وقال: لا ترجع إليه إلا بنكاح رغبة غير دلسة "، وعندنا هو مكروه والحديث لا يدل على عدم صحة النكاح لما أن المنع عن العقد لا يدل على فساده، وفي تسمية ذلك محللا ما يقتضي الصحة لأنها سبب الحل، وحمل بعضهم الحديث على من اتخذه تكسبا أو على ما إذا شرط التحليل في صلب العقد لا على من أضمر ذلك في نفسه فإنه ليس بتلك المرتبة بل قيل: إن فاعل ذلك مأجور.
* (فإن طلقها) * الزوج الثاني * (فلا جناح عليهما) * أي على الزوج الأول والمرأة * (أن يتراجعا) * أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بالزواج بعد مضي العدة * (إن ظنا أن يقيما حدود الله) * إن كان في ظنهما أنهما يقيمان حقوق الزوجية التي حدها الله تعالى وشرعها وتفسير الظن بالعلم ههنا قيل: غير صحيح لفظا ومعنى، أما معنى فلأنه لا يعلم ما في المستقبل يقينا في الأكثر، وأما لفظا فلأن (إن المصدرية للتوقع وهو ينافي العلم، ورد بأن المستقبل قد يعلم ويتيقن في بعض الأمور وهو يكفي للصحة، وبأن سيبويه أجاز - وهو شيخ العربية - ما علمت إلا أن يقوم زيد والمخالف له فيه أبو علي الفارسي، ولا يخفى أن الاعتراض الأول فيما نحن فيه مما لا يجدي نفعا لأن المستقبل وإن كان قد يعلم في بعض الأمور إلا أن ما هنا ليس كذلك وليس المراجعة مربوطة بالعلم بل الظن يكفي فيها * (وتلك) * إشارة إلى الأحكام المذكورة إلى هنا * (حدود الله) * أي أحكامه المعينة المحمية من التعرض لها بالتغيير والمخالفة * (يبينها) * بهذا البيان اللائق، أو سيبينها بناءا على أن بعضها يلحقه زيادة كشف في الكتاب والسنة، والجملة خبر على رأي من يجوزه في مثل ذلك، أو حال من * (حدود الله) * والعالم معنى الإشارة، وقرىء * (نبينها) * بالنون على الالتفات * (لقوم يعلمون) * أي يفهمون ويعملون بمقتضى العلم فهو للتحريض على العمل - كما قيل - أو لأنهم المنتفعون بالبيان، أو لأن ما سيلحق بعض الحدود منه لا يعقله إلا الراسخون، أو ليخرج غير المكلفين.
* (وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذالك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آي‍ات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم ومآ أنزل عليكم من الكت‍ابوالحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم) * * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) * أي آخر عدتهن فهو مجاز من قبيل استعمال الكل في الجزء إن قلنا: إن الأجل حقيقة في جميع المدة - كما يفهمه كلام الصحاح - وهو الدائر في كلام الفقهاء، ونقل الأزهري عن الليث يدل على أنه حقيقة في الجزء الأخير، وكلا الاستعمالين ثابت في الكتاب الكريم، فإن كان من باب الاشتراك فذاك وإلا فالتجوز من الكل إلى الجزء الأخير أقوى من العكس - والبلوغ - في الأصل الوصول وقد يقال للدنو منه - وهو المراد في الآية - وهو إما من مجاز المشارفة أو الاستعارة تشبيها للمتقارب الوقوع بالواقع ليصح أن يرتب عليه.
* (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) * إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل لأنها حينئذ غير زوجة له ولا في عدته فلا سبيل له عليها - والإمساك - مجاز عن المراجعة لأنها سببه - والتسريح - بمعنى الإطلاق وهو مجاز عن الترك، والمعنى فراجعوهن من غير ضرار أو خلوهن حتى تنقضي عدتهن من غير تطويل، وهذا إعادة للحكم في صورة بلوغهن أجلهن اعتناءا لشأنه ومبالغة في إيجاب المحافظة عليه، ومن الناس من حمل - الإمساك بالمعروف - على عقد النكاح وتجديده مع حسن المعاشرة - والتسريح بالمعروف - على ترك العضل عن التزوج بآخر، وحينئذ لا حاجة إلى القول بالمجاز في * (بلغن) * ولا يخفى بعده عن سبب النزول، فقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي أن رجلا من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق زوجته حتى إذا انقضت
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»