تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
بلا زيادة دون الثاني، وفي تعيينها أقوال: أحدها أنها الظهر لأنها تفعل في وسط النهار، الثاني أنها العصر لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل وهو المروي عن علي والحسن وابن عباس وابن مسعود وخلق كثير وعليه الشافعية والثالث: أنها المغرب، وعليه قبيصة بن ذؤيب لأنه وسط في الطول والقصر والرابع: أنها صلاة العشاء لأنها بين صلاتين لا يقصران. والخامس: أنها الفجر لأنها بين صلاتي الليل والنهار ولأنها صلاة لا تجمع مع غيرها فهي منفردة بين مجتمعين وهو المروي عن معاذ وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد واختاره الشافعي رضي الله تعالى عنه نفسه، وقيل: المراد بها صلاة الوتر، وقيل: الضحى، وقيل: عيد الفطر، وقيل: عيد الأضحى، وقيل: صلاة الليل، وقيل: صلاة الجمعة، وقيل: الجماعة، وقيل: صلاة الخوف (وقيل، وقيل..). والأكثرون صححوا أنها صلاة العصر لما أخرج مسلم من حديث علي كرم الله تعالى وجهه " أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة والوسطى صلاة العصر ملأ الله تعالى بيوتهم نارا " وخصت بالذكر لأنها تقع في وقت اشتغال الناس لا سيما العرب، قال بعض المحققين: والذي يقتضيه الدليل من بين هذه الأقوال أنها الظهر ونسب ذلك إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وبيان ذلك أن سائر الأقوال ليس لها مستند يقف له العجلان سوى القول بأنها صلاة العصر، والأحاديث الواردة بأنها هي قسمان: مرفوعة وموقوفة، والموقوفة لا يحتج بها لأنها أقوال صحابة عارضها أقوال صحابة آخرين أنها غيرها، وقول الصحابي لا يحتج به إذا عارضه قول صحابي آخر قطعا وإنما جرى الخلاف في الاحتجاج به عند عدم المعارضة، وأما المرفوعة فغالبها لا يخلو إسناده عن مقال والسالم من المقال قسمان: مختصر بلفظ الصلاة الوسطى صلاة العصر، ومطول فيه قصة وقع في ضمنها هذه الجملة، والمختصر مأخوذ من المطول اختصره بعض الرواة فوهم في اختصاره على ما ستسمع، والأحاديث المطولة كلها لا تخلو من احتمال فلا يصح الاستدلال بها فقوله من حديث مسلم: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر " فيه احتمالان، أحدهما: أن يكون لفظ صلاة العصر ليس مرفوعا بل مدرج في الحديث أدرجه بعض الرواة تفسيرا منه كما وقع ذلك كثيرا في أحاديث، ويؤيده ما أخرجه مسلم من وجه آخر عن علي كرم الله تعالى وجهه بلفظ " حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس " يعني العصر، الثاني: على تقدير أنه ليس بمدرج يحتمل أن يكون عطف نسق على حذف العاطف لا بيانا ولا بدلا والتقدير شغلونا عن الصلاة والوسطى وصلاة العصر، ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يشغل يوم الأحزاب عن صلاة العصر فقط بل شغل عن الظهر والعصر معا كما ورد من طريق أخرى فكأنه أراد بالصلاة الوسطى الظهر وعطف عليها العصر، ومع هذين الاحتمالين لا يتأتى الاستدلال بالحديث والاحتمال الأول أقوى للرواية المشار إليها، ويؤيده من خارج أنه لو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير أنها العصر لوقف الصحابة عنده ولم يختلفوا، وقد أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه، ثم على تقدير عدم الاحتمالين فالحديث معارض بالحديث المرفوع أنها الظهر، وإذا تعارض الحديثان، ولم يكن الجمع طلب الترجيح، وقد ذكر الأصوليون أن من المرجحات أن يذكر السبب، والحديث الوارد في أنها الظهر مبين فيه سبب النزول ومساق لذكرها بطريق القصد بخلاف حديث " شغلونا " الخ فوجب الرجوع إليه، وهو ما أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد عن زيد بن ثابت قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشد على الصحابة منها فنزلت: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * " وأخرج أحمد من وجه آخر عن زيد أيضا " أن رسول الله
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»