تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٥٢
عن الشيء على وجه أبلغ، وصح تعلق النهي به لأنه من الأفعال الباطنة الداخلة تحت الاختيار ولذا يثاب على النية، والمراد به العزم المقارن لأن من قال: لا تعزم على السفر في صفر مثلا لم يفهم منه النهي عن عزم فيه متأخر الفعل إلى ربيع، وذلك لأن القصد الجازم حقه المقارنة وتقدير المضاف لصحة التعلق لأنه لا يكون إلا على الفعل، و - العقدة - ليست به لأنها موضع العقد وهو ما يعقد عليه ولم يقدره بعضهم، وجعل الإضافة بيانية فالعقدة حينئذ نفس النكاح وهو فعل، ويحتمل أن يكون الكلام من باب * (حرمت عليكم أمهاتكم) * (النساء: 23) وعلى كل تقدير هي مفعول به، وجوز أن تكون مفعولا مطلقلا على أن معنى - لا تعزموا - لا تعقدوا فهو على حد - قعدت جلوسا - وأن الإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله، وقيل: المعنى لا تقطعوا ولا تبرموا عقدة النكاح فيكون النهي عن نفس الفعل لا عن قصده كما في الأول، وبهذا ينحط عنه، ومن الناس من حمل العزم على القطع ضد الوصل وجعل المعنى لا تقطعوا عقدة نكاح الزوج المتوفى بعقد نكاح آخر ولا حاجة حينئذ إلى تقدير مضاف أصلا، وفيه بحث أما أولا: فلأن مجيء العزم بمعنى القطع ضد الوصل في اللغة محل تردد، وقول الزمخشري: حقيقة العزم القطع بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل " وروي " لم يبيت " ليس بنص في ذلك بل لا يكاد يصح حمله إذ الدليل لا يساعده إذ لا خفاء في أن المراد بعزم الصوم ليس قطعة بمعنى الفك بل الجزم وقطع التردد، وأما ثانيا: فلأنه لا معنى للنهي عن قطع عقدة نكاح الزوج الأول حتى ينهى عنه إذ لا تنقطع عقدة نكاح المتوفى بعقد نكاح آخر لأن الثاني لغو، ومن هنا قيل: إن المراد لا تفكوا عقدة نكاحكم ولا تقطعوها، ونفي القطع عبارة عن نفي التحصيل فإن تحصيل الثمرة من الشجرة بالقطع، وهذا كما ترى مما لا ينبغي أن يحمل عليه كلام الله تعالى العزيز.
* (حتى يبلغ الكت‍ابأجله) * أي ينتهي ما كتب وفرض من العدة * (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم) * من العزم على ما لا يجوز أو من ذوات الصدور التي من جملتها ذلك * (فاحذروه) * ولا تعموا عليه أو - احذروه - بالاجتناب عن العزم ابتداءا أو إقلاعا عنه بعد تحققه * (وأعلموا أن الله غفور) * يغفر لمن يقلع عن عزمه أو ذنبه خشية منه * (حليم) * لا يعاجل بالعقوبة فلا يتوهم من تأخيرها أن ما نهى عنه لا يستتبع المؤاخذة وإعادة العامل اعتناءا بشأن الحكم، ولا يخفى ما في الجملة مما يدل على سعة رحمته تبارك اسمه.
* (لا جناح عليكم إن طلقتم النسآء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره مت‍اعا بالمعروف حقا على المحسنين) * * (لا جناح عليكم) * لا تبعة من مهر وهو الظاهر، وقيل: من وزر لأنه لا بدعة في الطلاق قبل المسيس ولو كان في الحيض، وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينهى عن الطلاق فظن أن فيه جناحا فنفى ذلك * (إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) * أي غير ماسين لهن أو مدة عدم المس وهو كناية عن الجماع، وقرأ حمزة والكسائي (تماسوهن) والأعمش (من قبل أن تمسوهن) وعبد الله (من قبل أن تجامعوهن) * (أو تفرضوا لهن فريضة) * أي: حتى تفرضوا أو إلا أن تفرضوا على ما في " شروح الكتاب "، و (فريضة) فعيلة بمعنى مفعول نصب على المفعول به، والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية فصار بمعنى المهر فلا تجوز، وجوز أن يكون نصبا على المصدرية، وليس بالجيد والمعنى إنه لا تبعة على المطلق بمطالبة المهر أصلا إذا كان الطلاق قبل المسيس على كل حال إلا في حال الفرض فإن عليه حينئذ نصف المسمى كما سيصرح به، وفي حال عدم تسميته عليه المتعة لا نصف مهر المثل، وأما إذا كان
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»