تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٢٦
المعطوف عليها كذلك * (وبشر المؤمنين) * الذين تقلوا ما خوطبوا به بالقبول والامتثال بما لا تحيط به عبارة من الكرامة والنعيم، وحمل بعضهم المؤمنين على الكاملين في الإيمان بناءا على أن الخطابات السابقة كانت للمؤمنين مطلقا فلو كانت هذه البشارة لهم كان مقتضى الظاهر وبشرهم فلما وضع المظهر موضع المضمر علم أن المراد غير السابقين وهم المؤمنون الكاملون ولا يخفى أنه يجوز أن يكون العدول إلى الظاهر للدلالة على العلية ولكونه فاصلة فلا يتم ما ذكره والواو للعطف، * (وبشر) * عطف على * (قل) * (البقرة: 222) المذكور سابقا أو على (قل) مقدرة قبل قدموا وهي معطوفة على مذكورة ومن باب الإشارة: * (يسألونك) * عن خمر الهوى وحب الدنيا وميسر احتيال النفس بواسطة قداحها التي هي حواسها العشرة المودعة في ربابة البدن لنيل شيء من جزور اللذات والشهوات * (قل فيهما إثم) * الحجاب والبعد عن الحضرة * (ومنافع للناس) * في باب المعاش وتحصيل اللذة النفسانية والفرح بالذهول عن المعايب والخطرات المشوشة والهموم المكدرة * (وإثمهما أكبر من نفعهما) * لأن فوات الوصال في حضائر الجمال لا يقابله شيء، ولا يقوم مقامه - وصال سعدي ولامي - ولفرق عند الأبرار بين السكر من المدير والسكر من المدار:
وأسكر القوم ورود كأس * وكان سكرى من المدير وهذا هو السكر الحلال لكنه فوق عالم التكليف ووراء هذا العالم الكثيف وهو سكر أرواح لا أشباح وسكر رضوان لا حميا دنان: وما مل ساقيها ولا مل شارب * عقار لحاظ كأسها يسكر اللبا * (ويسألوك ماذا ينفقون قل العفو) * وهو ما سوى الحق من الكونين * (كذلك يبين الله لكم الآيات) * المنزلة من سماء الأرواح * (لعلكم تتفكرون) * (البقرة: 219) * (في الدنيا والآخرة) * (البقرة: 220) وتقطعون بواديهما بأجنحة السير والسلوك إلى ملك الملوك * (ويسألونك عن المحيض) * وهو غلبة دواعي الصفات البشرية والحاجات الإنسانية * (قل هو أذى) * تنفر القلوب الصافية عنه * (فاعتزلوا) * بقلوبكم نساء النفوس في محيض غلبات الهوى * (حتى يطهرن) * ويفرغن من قضاء الحوائج الضرورية * (فإذا تطهرن) * بماء الإنابة ورجعن إلى الحضرة في طلب القربة * (فأتوهن من حيث أمركم الله) * أي عند ظهور شواهد الحق لزهوق باطل النفس واضمحلال هواها * (إن الله يحب التوابين) * عن أوصاف الوجود * (ويحب المتطهرين) * (البقرة: 222) بنور المعرفة عن غبار الكائنات، أو يحب التوابين من سؤالاتهم ويحب المتطهرين من إراداتهم نساؤكم وهي النفوس التي غدت لباسا لكم وغدوتم لباسا لهن موضع حرثكم للآخرة * (فأتوا حرثكم) * متى شئتم الحراثة لمعادكم * (وقدموا لأنفسكم) * ما ينفعها ويكمل نشأتها * (واتقوا الله) * من النظر إلى ما سواه * (واعلموا أنكم ملاقوه) * بالفناء فيه إذا اتقيتم * (وبشر المؤمنين) * بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
* (ولا تجعلوا الله عرضة لايم‍انكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) * * (ولا تجعلوا الله عرضة لأيم‍انكم) * أخرج ابن جرير عن ابن جريج أنها نزلت في الصديق رضي الله تعالى عنه لما حلف أن لا ينفق على مسطح بن خالته وكان من الفقراء المهاجرين لما وقع في إفك عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف على ختنه بشير بن النعمان أن لا يدخل عليه أبدا ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين امرأته بعد أن كان قد طلقها وأراد الرجوع إليها والصلح معها، والعرضة فعلة بمعنى المفعول كالقبضة والغرفة وهي هنا من عرض الشيء من باب نصر أو ضرب جعله معترضا أو من عرضه للبيع عرضا من باب ضرب إذا قدمه لذلك، ونصبه
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»