مضمومها بعد جعله لازما وهذا مطرد في باب المدح والذم وأن الرحمة في اللغة رقة القلب ولكونها من الكيفيات التابعة للمزاج المستحيل عليه سبحانه تؤخذ باعتبار غايتها إما على طريقة المجاز المرسل بذكر لفظ السبب وإرادة المسبب وإما على طريقة التمثيل بأن شبه حاله تاعلى بالقياس إلى المرحومين في إيصال الخير إليهم بحال الملك إذا رق لهم فأصابهم بمعروفه وإنعامه فاستعمل الكلام الموضوع للهيئة الثانية في الأولى من غير أن يتمحل في شيء من مفرداته وإما على طريقة الاستعارة المصرحة بأن يشبه الإحسان على ما اختاره القاضي أبو بكر أو إرادته على ما اختاره الأشعري بالرحمة بجامع ترتب الانتفاع على كل ويستعار له الرحمة ويشتق منها الرحمن الرحيم على حد - الحال ناطقة بكذا - وإما على طريقة الاستعارة المكنية التخييلية بأن يشبه معنى الضمير فيهما العائد إليه تعالى بملك رق قلبه على رعيته تشبيها مضمرا في النفس ويحذف المشبه به ويثبت له شيء من لوازمه وهو الرحمة، وقيل الرحمة في ذلك حقيقة شرعية وأن الرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى فتؤخذ تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية فعلى الأول قيل يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكفار ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل يارحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة وأنه إنما قدم الرحمن والقياس يقتضي الترقي لتقدم رحمة الدنيا ولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره لأن معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره، وقول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة وقول شاعرهم فيه: سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا * وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا غلو في الكفر أو التقديم لأن الرحمن لما دل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها فيكون كالتتمة والرديف له أو للمحافظة على رؤوس الآي هذا وجميعه لا يخلو عن مقال ولا يسلم من رشق نبال أما أولا فلأن الصفة المشبهة لا تبنى إلا من لازم ولذا قال في " التسهيل ": إن ربا وملكا ورحمانا ليست منها لتعدي أفعالها ولم يقل أحد بنقل ما تعدى منها لفعل المضموم العين والمسطور في المتون المعول عليها أن فعل المفتوح والمكسور إذا قصد به التعجب يحول إلى فعل المضموم كقضوا الرجل بمعنى ما أقضاه وحينئذ فيه اختلاف هل يعطى حكم نعم أو فعل التعجب كما فصلوه ثمة وإلحاقهم له بنعم كالصريح في عدم تصرفه وأنه لا يؤخذ منه صفة أصلا وكون رفيع الدرجات بمعنى رفيع درجاته لا رافع الدرجات لا يجدي نفعا وإنما فسروه بما ذكر لأن المراد درجات عزه وجبروته ليناسب المراد من قوله: * (ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) * (غافر: 15) وهي بسطة ملكه وسعة ملكوته وتلك الدرجات ليست مرفوعة بفعل. ونقل ذلك عن الزمخشري في " الفائق " بعد تسليم أنه مذكور فيه معارض بما صرح به هو في غيره " كالمفصل " على أن قولهم رحمن الدنيا ورحيم الآخرة بالإضافة إلى المفعول كما نص عليه دون الفاعل يقتضي عدم اللزوم وإنهما ليسا بصفة مشبهة فالأصح أنهما من أبنية المبالغة الملحقة باسم الفاعل وأخدا من فعل متعد وذلك في الرحيم ظاهر وقد نص عليه سيبويه في قولهم رحيم فلانا وكذا الزجاج والصيغة تساعده وللاشتباه،
(٥٩)