تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٧٠
وعمود ربما يجزم بأنه موضوع له فقط ولا يدري أن وراء ذلك موازين ومثل هذا يجري في كثير من الألفاظ والأمر في المشتقات لا يكاد يخفى على من له أدنى فطنة لظهوره بالرجوع إلى قاعدة الاشتقاق وفي غيرها ربما يشتبه على الجماهير وبذلك يفوت كثير من حقائق الكتاب والسنة فإن أكثرهما وارد على أصل اللغة وعلى ذلك فقس الحمد فإن حقيقته عندهم إظهار صفات الكمال، ولما كان الإظهار القولي أظهر أفراده وأشهرها عند العامة شاع استعمال لفظ الحمد فيه حتى صار كأنه مجاز في غيره مع أنه بحسب الأصل أعم بل الإظهار الفعلي أقوى وأتم فهو بهذا الاسم أليق وأولى كما هو شأن القول بالتشكيك وفرقوا بين الحمد والمدح بأمور.
أحدها: أن الحمد يختص بالثناء على الفعل الاختياري لذوي العلم، والمدح يكون في الاختياري وغيره ولذوي العلم وغيرهم كما يقال مدحت اللؤلؤة على صفائها. وثانيها وثالثها: أن الحمد يشترط صدوره عن علم لا ظن وأن تكون الصفات المحمودة صفات كمال والمدح قد يكون عن ظن وبصفة مستحسنة وإن كان فيها نقص ما.
رابعها: أن في المدح من التعظيم والفخامة ما ليس في المحد وهو أخص بالعقلاء والعظماء وأكثر إطلاقا على الله تعالى. وخامسها: أن الحمد إخبار عن محاسن الغير مع المحبة والإجلال، والمدح إخبار عن المحاسن ولذا كان الحمد إخبارا يتضمن إنشاء والمدح خبرا محضا. وسادسها: أن الحمد مأمور به مطلقا ففي الأثر: " من لم يحمد الناس لم يحمد الله " والمدح ليس كذلك: " أحثوا في وجوه المداحين التراب " ويشعر كلام الزمخشري في " الكشاف والفائق " بترادفهما ففي الأول أنهما أخوان وجعل فيه نقيض المدح أعني الذم نقيضا للحمد وفي الثاني الحمد المدح والوصف بالجميل فالمدح عنده مخصوص بالاختياري وتأول المدح بالجمال وصباحة الوجه واحتمال أن يراد من الأخوين ما يكون بنيهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كجبذ وجذب وأن الأدباء يجوزون التعريف بالأعم والنقيض هناك بالمعنى اللغوي ويجوز أن يكون شيء واحد نقيضا لشيئين بينهما عموم وخصوص بهذا المعنى لا ينفي ما قلناه بل إذا أنصفت تكاد تجزم بأن الزمخشري قائل بالترادف ولا تستفزك هذه الاحتمالات لأنها كسراب بقعية نعم هذا القول بعيد منه وهو شيخ العربية وفتاها فالحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن المدح يكون على غير الاختياري وكأنه لذلك لم يقل عز شأنه المدح لله كما قالوا إظهارا لأن الله تعالى فاعل مختار وفي ذلك من الترغيب والترهيب المناسبين لمقام البعثة والتبليغ ما لا يخفى. وأما الشكر: فهو أيضا مغاير للحمد إلا أن بعضهم خصه بالعمل والحمد بالقول، وبعض جعله على النعم الظاهرة، والآخر على النعم الباطنة وادعى آخرون اختصاصه بفعل اللسان كالحمد في المشهور إلا أنه على النعمة وإليه يشير كلام الراغب، والمعروف أنه ما كان في مقابلتها قولا باللسان وعملا وخدمة بالأركان واعتقادا ومحبة بالجنان، وقول الطيبي إن هذا عرف أهل الأصول فإنهم يقولون شكر المنعم واجب ويريدون منه وجوب العبادة وهي لا تتم إلا بهذه الثلاثة وإلا فالشكر اللغوي ليس إلا باللسان غير طيب فإن ظاهر الكتاب والسنة إطلاق الشكر على غير اللسان قال تعالى: * (اعملوا آل داود شكرا) * (سبأ: 13) وروى الطبراني عن النواس بن سمعان: " أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء سرقت فقال لئن ردها الله تعالى علي لأشكرن ربي فلما ردت قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث صوما أو صلاة فظنوا أنه نسي فقالوا له: فقال: ألم
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»