تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٢١٦
والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها) * (النازعات: 27 - 32) وذهب آخرون إلى تقدم خلق الأرض لقوله تعالى: * (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) * إلى قوله سبحانه: * (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) * (فصلت: 9 - 12) وجمع بعضهم فقال: إن * (أخرج منها ماءها) * بدل أو عطف بيان لدحاها أي بسطها مبين للمراد منه فيكون تأخرها ليس بمعنى تأخر ذاتها بل بمعنى تأخر خلق ما فيها وتكميله وترتيبه بل خلق التمتع والانتفاع به فإن البعدية كما تكون باعتبار نفس الشيء تكون باعتبار جزئه الأخير. وقيده المذكور كما لو قلت: بعثت إليك رسولا ثم كنت بعثت فلانا لينظر ما يبلغه فبعث الثاني، وإن تقدم لكن ما بعث لأجله متأخر فجعل نفسه متأخرا. وما رواه الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في التوفيق بين الآيتين يشير إلى هذا، ولا يعارضه ما رواه ابن جرير وغيره وصححوه عنه أيضا - " إن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والإثنين، وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة فقال تعالى: * (أئنكم لتكفرون) * إلى * (سواء للسائلين) * (فصلت: 9 - 10) وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة " - لجواز أن يحمل على أنه خلق مادة ذلك وأصوله إذ لا يتصور المدائن والعمران والخراب قبل، فعطفه عليه قرينة لذلك، واستشكال الإمام الرازي تأخر التدحية عن خلق السماء بأن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية فإذا كانت التدحية متأخرة كان خلقها أيضا متأخرا مبني كما قيل: على الغفلة لأن من يقول بتأخر دحوها عن خلقها لا يقول بعظمها ابتداء بل يقول: إنها في أول الخلق كانت كهيئة الفهر ثم دحيت، فيتحقق الانفكاك ويصح تأخر دحوها عن خلقها، وقوله قدس سره: إن خلق الأشياء في الأرض - لا يمكن إلا إذا كانت مدحوة - لا يخفى دفعه بناء على أن المراد بذلك خلق المواد والأصول لا خلق الأشياء فيها كما هو اليوم. وقال بعض المحققين: اختلف المفسرون في أن خلق السماء مقدم على خلق الأرض أو مؤخر؟ نقل الإمام الواحدي عن مقاتل الأول - واختاره المحققون - ولم يختلفوا في أن جميع ما في الأرض مما ترى مؤخر عن خلق السموات السبع بل اتفقوا عليه، فحينئذ يجعل الخلق في الآية الكريمة بمعنى التقدير لا الإيجاد أو مبعناه ويقدر الإرادة - ويكون المعنى أراد خلق ما في الأرض جميعا - لكم على حد * (إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) و * (إذا قرأت القرآن) * (الإسراء: 45) ولا يخالفه * (والأرض بعد ذلك دحاها) * (النازعات: 30) فإن المتقدم على خلق السماء إنما هو تقدير الأرض وجميع ما فيها، أو إرادة إيجادها والمتأخر عن خلق السماء إيجاد الأرض وجميع ما فيها فلا إشكال، وأما قوله سبحانه وتعالى: * (خلق الأرض في يومين) * فعلى تقدير الإرادة، والمعنى أراد خلق الأرض، وكذا * (وجعل فيها رواسي) * ينبغي أن يكون بمعنى أراد أن يجعل، ويؤيد ذلك قوله تعالى: * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) * فإن الظاهر أن المراد ائتيا في الوجود، ولو كانت الأرض موجودة سابقة لما صح هذا فكأنه سبحانه قال: أئنكم لتكفرون بالذي أراد إيجاد الأرض وما فيها من الرواسي والأقوات في أربعة أيام ثم قصد إلى السماء فتعلقت إرادته بإيجاد السماء والأرض فأطاعا بأمر التكوين فأوجد سبع سموات في يومين وأوجد الأرض وما فيها في أربعة أيام.
بقي ههنا: بيان النكتة في تغيير الأسلوب حيث قدم في الظاهر هاهنا وفي * (حم) * السجدة خلق الأرض وما فيها
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»