بالفتح والقصر وهو الرؤية نهارا لا ليلا والمعنى أنهم يبصرون إبصار غفلة لا إبصار عبرة أو أنهم لا يرون آيات الله تعالى في ظلمات كفرهم ولو زالت أبصروها وقال الراغب العشا ظلمة تعرض للعين وعشى عن كذا عمى قال تعالى * (ومن يعش عن ذكر الرحمن) * فالمعنى حينئذ ظاهر والتنوين للاشارة إلى نوع من الأغطية غير ما يتعارفه الناس ويحتمل أن يكون للتعظيم أي غشاوة أي غشاوة وصرح بعضهم بحمله على النوعية والتعظيم معافى قوله تعالى * (فقد كذبت رسل) * واللام في * (لهم) * للاستحقاق كما في * (لهم في الدنيا خزي) * وفي المغني لام الاستحقاق هي الواقعة بين معنى وذات وهنا كذلك إلا أنه قدم الخبر استحسانا لأن المبتدأ أنكره موصوفه ولو أخر جاز ك * (وأجل مسمى عنده) * ويجوز كما قيل أن يكون تقديمه للتخصيص فلا يعذب عذابهم أحد ولا يوثق وثاقهم أحد وكون اللام للنفع واستعملت هنا للتهكم مما لا وجه له لانها إنما تقع له في مقابلة * (على) * في الدعاء وما يقاربه ولم يقل به أحد ممن يوثق به هنا ولا يقال عليهم العذاب والظاهر أن الجملة مساقة لبيان إصرارهم بأن مشاعرهم ختمت وإن الشقوة عليهم ختمت وهي معطوفة على ما قبلها وليست استئنافا ولا حالا وقال السالكوتي عطف على الذين كفروا والجامع أن ما سبق بيان حالهم وهذا بيان ما يستحقونه أو على خبر أن والجامع الشركة في المسند إليه مع تناسب مفهوم المسندين وجعل ذلك لدفع ما يتوهم من عدم استحقاقهم العذاب على كفرهم لأنه بختم الله تعالى وتغشيته ليس بوجيه كما لا يخفى والعذاب في الاصل الاستمرار ثم اتسع فيه مسمى به كل استمرار ألم واشتقوا منه فقالوا عذبته أي داومت عليه الألم قاله أبو حيان وعن الخليل وإليه مال كثير أن أصله المنع يقال عذب الفرس إذا امتنع عن العلف ومنه العذب لمنعه من العطش ثم توسع فأطلق على كل مؤلم شاق مطلقا وإن لم يكن مانعا ورادعا ولهذا كان أعم من النكال لانه ما كان رادعا كالعقاب وقيل العقاب ما يجازى به كما في الآخرة وشمل البيان عذاب الاطفال والبهائم وغيرهما وخص السجاوندي العذاب بايصال الالم إلى الحي مع الهوان فايلام الاطفال والبهائم ليس بعذاب عنده وقيل إن العذاب مأخوذ في الأصل من التعذيب ثم استعمل في الايلام مطلقا وأصل التعذيب على ما قيل إكثار الضرب بعذبة السوط وقال الراغب أصله من العذب فعذبته أزلت عذب حياته على بناء مرضته وقذيته والتنكير فيه للنوعية أي لهم في الآخرة نوع من العذاب غير متعارف في عذاب الدنيا وحمله على التعظيم يستدعي حمل ما يستفاد من الوصف على التأكيد ولا حاجة إليه والعظيم الكبير وقيل فوق الكبير لان الكبير يقابله الصغير والعظيم يقابله الحقير والحقير دون الصغير فالصغير والحقير خسيسان والحقير أخسهما والعظيم والكبيرر شريفان والعظيم أشرفهما فتوصيف العذاب به أكثر في التهويل من توصيفه بالكبير كما ذكره الكثير ممن شاع فضله إذ العادة جارية بأن الاخس يقابل بالأشرف والخسيس بالشريف فما يتوهم من أن نقيض الاخص أعم مما لا يلتفت إليه هنا نعم يشكل على دعوى أن العظيم فوق الكبير قوله عز شأنه في الحديث القدسي الكبرياء ردائي والعظمة إزاري حيث جعل سبحانه الكبرياء مقام الرداء والعظمة مقام الازار ومعلوم أن الرداء أرفع من الازار فيجب أن يكون صفة الكبر أرفع من العظمة ويقال إن الكبير هو الكبير في ذاته سواء استكبره غيره أم لا وأما العظمة فعبارة عن كونه بحيث يستعظمه غيره فالصفة الأولى على هذا ذاتية وأشرف من الثانية ويمكن أن يجاب على بعد بأن ما ذكروه خاص بما إذا استعمل الكبير والعظيم في غيره تعالى أو فيما إذا خلا الكلام عن قرينة تقتضي العكس أو يقال إنه سبحانه جعل العظمة وهي أشرف من الكبرياء إزارا لقلة العارفين به جل شأنه بهذا العنوان بالنظر إلى العارفين
(١٣٧)