الإلهي بها على ما هي عليه مما يقتضيه استعدادها من اختيار أحد الطرفين الخير والشر تعلقت الإرادة الإلهية بهذا الذي اختاره العبد بمقتضى استعداده فيصير مراده بعد تعلق الإرادة الإلهية مرادا لله تعالى فاختياره الأزلي بمقتضى استعداده متبوع للعلم المتبوع للإرادة مراعاة للحكم وأن اختياره فيما لا يزال تابع للإرادة الأزلية المتعلقة باختياره لما اختاره، فالعباد منساقون إلى أن يفعلوا ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالإكراه والجبر وليسوا جبورين في اختيارهم الأزلي لأنه سابق الرتبة على تعلق العلم السابق على تعلق الإرادة والجبر تابع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الذي هو هنا اختيارهم الأزلي فيمتنع أن يكون تابعا لما هو متأخر عنه بمراتب، فما من شيء يبرزه الله تعالى بمقتضى الحكمة ويفيضه على الممكنات إلا وهو مطلوبها بلسان استعدادها وما حرمها سبحانه شيئا من ذلك كما يشير إليه قوله تعالى: * (أعطي كل شيء خلقه) * أي الثابت له في الأزل مما يقتضيه استعداده الغير المجعول، وإن كانت الصور الوجودية الحادثة مجعولة. وقوله تعالى: * (فألهمها فجورها وتقواها) * أي الثابتين لها في نفس الأمر والكل من حيث أنه خلقه حسن لكونه بارزا بمقتضى الحكمة من صانع مطلق لا حاكم عليه ولهذا قال عز شأنه: * (أحسن كل شيء خلقه) * و * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) * أي من حيث أنه مضاف إليه ومفاض منه وإن تفاوت من جهة أخرى وافترق عند إضافة بعضه إلى بعض، فعلى هذا يكون الختم منه سبحانه وتعالى دليلا على سواء استعدادهم الثابت في علمه الأزلي الغير المجعول بل هذا الختم الذي هو من مقتضيات الاستعداد لم يكن من الله تعالى إلا إيجاده وإظهار يقينه طبق ما علمه فيهم أزلا حيث لا جعل * (وما ظلمهم الله) * تعالى في إظهاره إذ من صفاته سبحانه إفاضة الوجود على القوابل بحسب القابليات على ما تقتضيه الحكمة * (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * حيث كانت مستعدة بذاتها لذلك فحينئذ يظهر أن إسناد الختم إليه تعالى باعتبار الإيجاد حقيقة ويحسن الذم لهم به من حيث دلالته على سوء الاستعداد وقبح ما انطوت عليه ذواتهم في ذلك الناد * (فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * وأما ما ذكره المفسرون من أن إسناد الختم إليه تعالى باعتبار الخلق فمسلم لا كلام لنا فيه، وأما إن الذم باعتبار كون ذلك مسببا عما كسبه الكفار الخ فنقول فيه: إن أرادوا بالكسب ما شاع عند الاشاعرة من مقارنة الفعل لقدرة العبد من غير تأثير لها فيه أصلا وإنما المؤثر هو ا تعالى فهو مع مخالفته لمعنى الكسب وكونه * (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا) * لا يشفى عليلا ولا يروى غليلا إذ للخصم أن يقول أي معنى لذم العبد بشيء لا مدخل لقدرته فيه إلا كمدخل اليد الشلاء فيما فعلته الأيدي السليمة وحينئذ يتأتى ما قاله الصاحب بن عباد في هذا الباب: كيف يأمر الله تعالى العبد بالإيمان وقد منعه منه وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه، وكيف يصرفه عن الإيمان ثم يقول: * (أتي يصرفون) * ويخلق فيهم الإفك ثم يقول: * (أني تؤفكون) * وأنشأ فيهم الكفر ثم يقول * (لم تكفرون) * وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول: * (لم نلبسون الحق بالباطل) * وصدهم عن السبيل ثم يقول: * (لم تصدون عن سبيل الله) * وحال بينهم وبين الإيمان ثم قال: * (وماذا عليهم لو آمنوا) * وذهب بهم عن الرشد ثم قال: * (وأين تذهبون) * وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثم قال: * (فما لهم عن التذكرة معرضين) *؟!! فإن أجابوا بأن لله أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * قلنا لهم: هذه كلمة حق أريد بها باطل وروضة صدق ولكن ليس لكم منها حاصل لأن كونه تعالى لا يسأل عما يفعل ليس إلا لأنه حكيم لا يفعل ما عنه يسأل وإذا قلتم لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كما لا أثر للعلم في معلومه فوجه مطالبة
(١٣٣)