الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ١٦٤
أكرمك كرامة لا أكرمها أحدا قال دونك هذه الدنانير ثم انطلق فلحق بأرضه فقام الآخر فاستوى على رجليه ثم انطلق فاشترى حمارا وأرسانا ثم جعل يستعرض تلك الأعاجم فيجزها فيبيعه ثم قال إلى متى هذا الشفاء فعمد فباع ذلك الحمار وتلك الأرسان واكتسى كسوة ثم أتى باب الملك فجعل يشير عليهم بالرأي وترتفع منزلته حتى انتهوا إلى بواب الفرخان الذي يليه فقال له الفرخان قد ذكر لي رجل عندك فما هو قال ما رأيت مثله قط قال ائتني به فكلمه فأعجب به قال إن بيت المقدس وتلك البلاد قد استعصوا علينا وانا باعثون عليهم بعثنا وإني باعث إلى البلاد من يختبرها فنظر حينئذ إلى رجال من أهل الإرب والمكيدة فبعثهم جواسيس فلما فصلوا إذا بختنصر قد أتى بخرجيه على بغلة قال أين تريد قال معهم قال أفلا آذنتني فأبعثك عليهم قال لا حتى إذا وقعوا بالأرض قال تفرقوا وسال بختنصر عن أفضل أهل البلد فد عليه فألقى خرجيه في داره قال لصاحب المنزل الا تخبرني عن أهل بلادك قال على الخبير سقطت هم قوم فيهم كتاب فلا يقيمونه وأنبياء فلا يطيعونهم وهم متفرقون قال بختنصر كالمتعجب منه كتاب لا يقيمونه وأنبياء لا يطيعونه وهم متفرقون فكتبهن في ورقة وألقى في خرجيه وقال ارتحلوا فاقبلوا حتى قدموا على الفرخان فجعل يسأل كل رجل منهم فجعل الرجل يقول أتينا بلاد كذا ولها حصن كذا ولها نهر كذا قال يا بختنصر ما تقول قال قدمنا أرضا على قوم لهم كتاب لا يقيمونه وأنبياء لا يطيعونهم وهم متفرقون فامر حينئذ فندب الناس وبعث إليهم سبعين ألفا وأمر عليهم بختنصر فأروا حتى إذا علوا في الأرض أدركهم البريد ان الفرخان قد مات ولم يستخلف أحدا قال للناس مكانكم ثم أقبل على البريد حتى قدم على الناس وقال كيف صنعتم قالوا كرهنا ان نقطع أمرا دونك قال إن الناس قد بايعوني فبايعوه ثم استخلف عليهم وكتب بينهم كتابا ثم انطلق بهم سريعا حتى قدم على أصحابه فأراهم الكتاب فبايعوه وقالوا ما بنا رغبة عنك فساروا فلما سمع أهل بيت المقدس تفرقوا وطاروا تحت كل كوكب فشعث ما هناك أي أفسد وقتل من قتل وخرب بيت المقدس واستبى أبناء الأنبياء فيهم دانيال فسمع به صاحب الدنانير فاتاه فقال هل تعرفني قال نعم فأدنى مجلسه ولم يشفعه في شئ حتى إذا نزل بابل لا ترد له راية فكان كذلك ما شاء الله ثم انه رأى رؤيا فأفظعته فأصبح قد نسيها قال على بالسحرة والكهنة قال أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة والله لتخبرني بها أو لأقتلنكم قالوا ما هي قال قد نسيتها قالوا ما عندنا من هذا علم الا ان ترسل إلى أبناء الأنبياء فأرسل إلى أبناء الأنبياء قال أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة والله لتخبرني بها أو لأقتلنكم قالوا ما هي قال قد نسيتها قالوا غيب ولا يعلم الغيب الا الله تعالى قال والله لتخبرني بها أو لأضربن أعناقكم قالوا فدعنا حتى نتوضأ ونصلي وندعو الله تعالى قال فافعلوا فانطلقوا فاحسنوا الوضوء فاتوا صعيدا طيبا فدعوا الله فأخبروا بها ثم رجعوا إليه فقالوا رأيت كان رأسك من ذهب وصدرك من فخار ووسطك من نحاس ورجليك من حديد قال نعم قال أخبروني بعبارتها أو لأقتلنكم قالوا فدعنا ندعو ربنا قال اذهبوا فدعوا ربهم فاستجاب لهم فرجعوا إليه قالوا رأيت كان رأسك من ذهب ملكك هذا يذهب عند رأس الحول من هذه الليلة قال ثم مه قالوا ثم يكون بعدك ملك يفخر على الناس ثم يكون ملك يخشى على الناس شدته ثم يكون ملك لا يقله شئ انما هو مثل الحديد يعنى الاسلام فامر بحصن فبنى له بينه وبين السماء ثم جعل ينطقه بمقاعد الرجال والأحراس وقال لهم انما هي هذه الليلة لا يجوز عليكم أحد وان قال انا بختنصر الا قتلتموه مكانه كائنا من كان من الناس فقعد كل أناس في مكانهم الذي وكلوا به واهتاج بطنه من الليل فكره ان يرى مقعده هناك وضرب على أسمخة القوم فاستثقلوا نوما فأتى عليهم وهم نيام ثم أتى عليهم فاستيقظ بعضهم فقال من هذا قال بختنصر قال هذا الذي حفى إلينا فيه الليلة فضربه فقتله فأصبح الخبيث قتيلا * وأخرج ابن جرير نحوه أخصر منه عن سعيد ابن جبير رضي الله عنه وعن السدى وعن وهب بن منبه * وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دما يعلى عل كباء فسألهم ما هذا الدم قالوا أدركنا آباءنا على هذا وكلما 7 ظهر عليهم الكباء ظهر فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم فسكن * وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه ان بختنصر لما قتل بني إسرائيل وهدم بيت المقدس وسار بسبايا بني إسرائيل إلى أرض بابل فسامهم سوء العذاب أراد أن يتناول السماء فطلب حيلة يصعد بها فسلط الله
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست