لكم فوقع في قلوب ناس كثير الخوف وكان فيهم شئ من تخاذل من تخويف الشيطان فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مسابقين إلى الماء وسار المشركون سراعا يريدون الماء فأنزل الله عليهم في تلك الليلة مطرا واحدا فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم ان يسيروا وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبدلهم المسير والمنزل وكانت بطحاء فسبق المسلمون إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل فاقتحم القوم في القليب فماحوها حتى كثر ماؤها وصنعوا حوضا عظيما ثم غوروا ما سواه من المياه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه مصارعهم إن شاء الله بالغداة وانزل الله إذ يغشاكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام ثم صف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحياض فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم إني أسالك ما وعدتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممسك بعضد أبى بكر يقول اللهم إني أسالك ما وعدتني فقال أبو بكر أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك فاستنصر المسلمون الله واستعانوه فاستجاب الله لنبيه وللمسلمين وأقبل المشركون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يحدثهم ان بنى كنانة وراءهم قد أقبلوا لنصرهم وانه لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم لما أخبرهم من مسير بنى كنانة وأنزل الله ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس هذه الآية والتي بعدها وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة من مع محمد صلى الله عليه وسلم غر هؤلاء دينهم فأنزل الله ومن يتوكل على الله فان الله عزيز حكيم وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال له هل لك ان تكون سيد قريش ما عشت قال عتبة فافعل ماذا قال تجير بين الناس وتحمل دم ابن الحضرمي وبما أصاب محمد من تلك العير فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذه العير ودم هذا الرجل قال عتبة نعم قد فعلت ونعما قلت ونعما دعوت إليه فاسع في عشيرتك فانا أتحمل بها فسعى حكيم في اشراف قريش بذلك يدعوهم إليه وركب عتبة جملا له فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال يا قوم أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي وما أصابوا من عيركم تلك وأنا أتحمل بوفاء ذلك ودعوا هذا الرجل فان كان كاذبا ولى قتله غيركم من العرب فان فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة وانكم ان تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه وأخيه أو ابن أخيه أو ابن عمه فيورث ذلك فيهم أحنا وضغائن وان كان هذا لرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم وان كان نبيا لم تقتلون النبي فتسيئوا به ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم ولا آمن أن يكون لكم الدبرة عليهم فحسده أبو جهل على مقالته وأبى الله الا أن ينفذ أمره وعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي وهو أخو المقتول فقال هذا عتبة يخذل بين الناس وقد تحمل بدية أخيك يزعم انك قابلها أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو ينظر إلى عتبة ان يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر وان يطيعوه يرشدوا فلما حرض أبو جهل قريشا على القتال أمر النساء يعولن عمرا فقمن يصحن وا عمراه وا عمراه تحريضا على القتال فاجتمعت قريش على القتال فقال عتبة لأبي جهل سيعلم اليوم أي الامرين أرشد وأخذت قريش مصاف هذا القتال وقالوا لعمير بن وهب اركب فاحذر محمدا وأصحابه فقعد عمير على فرسه فأطاف برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم رجع إلى المشركين فقال حذرتهم بثلثمائة مقاتل زادوا شيئا أو نقصوا شيئا وحذرت سبعين بعيرا ونحو ذلك لكن أنظروني حتى أنظر هل لهم مدد أو كمين فأطاف حولهم وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حولهم ثم رجعوا فقالوا لا مدد لهم ولا كمين وانما هم أكلة جزور وقالوا لعمير حرش بين القوم فحمل عمير على الصف بمائة فارس واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه لا تقاتلوا حتى أوذنكم وغشيه نوم فغلبه فلما نظر بعض القوم إلى بعض جعل أبو بكر يقول يا رسول الله قد دنا القوم ونالوا منا فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراه الله إياهم في منامه قليلا وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى طمع بعض القوم في بعض ولو أراه عددا كثيرا لفشلوا وتنازعوا في الامر كما قال الله وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم وأخبرهم ان الله قد أوجب الجنة لمن استشهد اليوم فقام عمير بن الحمام من عجين كان يعجنه لأصحابه حين سمع
(١٦٧)