5258 قال بعض الأئمة وسورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين وآل عمران مكملة لمقصودها فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه لما تمسك به النصارى وأوجب الحج في آل عمران وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر لأن التوراة أصل والإنجيل فرع لها والنبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء فخوطب به جميع الناس والسور المدنية فيها خطاب من أقر بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين فخوطبوا بيا أهل الكتاب يا بني إسرائيل يا أيها الذين آمنوا وأما سورة النساء فتضمنت أحكام الأسباب التي بين الناس وهي نوعان مخلوقة لله ومقدورة لهم كالنسب والصهر ولهذا افتتحت بقوله * (اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) * ثم قال * (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) * فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما أكثر السورة في أحكامه من نكاح النساء ومحرماته والمواريث المتعلقة بالأرحام وأن ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم ثم خلق زوجه منه ثم بث منهما رجالا ونساء في غاية الكثرة وأما المائدة فسورة العقود تضمنت بيان تمام الشرائع ومكملات الدين والوفاء بعهود الرسل وما أخذ على الأمة وبها تم الدين فهي سورة التكميل لأن فيها تحريم الصيد على المحرم الذي هو من تمام الإحرام وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين وعقوبة المعتدين من السراق والمحاربين الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال وإحلال الطيبات الذي هو من تمام عبادة الله تعالى ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم كالوضوء والتيمم والحكم بالقرآن على كل دين ولهذا كثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام وذكر فيها أن من ارتد عوض الله خير منه ولا يزال هذا الدين كاملا ولهذا ورد أنها آخر ما نزل لما فيها من إشارات الختم والتمام وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب
(٢٩٨)