الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج ١ - الصفحة ٥٧٢
كماله ويقولون البيت بكماله أي باجتماعه 3694 ومن ذلك الإعطاء والإيتاء قال الخويي لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله لأن الإعطاء له مطاوع تقول أعطاني فعطوت ولا يقال في الإيتاء أتاني فأتيت وإنما يقال آتاني فأخذت والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له لأنك تقول قطعته فانقطع فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول في المحل لولاه ما ثبت المفعول ولهذا يصح قطعته فما انقطع ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك فلا يجوز ضربته فانضرب أو فما انضرب ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها فالإيتاء أقوى من الإعطاء قال وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى قال تعالى * (تؤتي الملك من تشاء) * لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة وكذا * (يؤتي الحكمة من يشاء) * * (آتيناك سبعا من المثاني) * لعظم القرآن وشأنه وقال * (إنا أعطيناك الكوثر) * لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه قريب إلى منازل العز في الجنة فعبر فيه بالإعطاء لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه وكذا * (يعطيك ربك فترضى) * لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا وهو مفسر أيضا بالشفاعة وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه وكذا * (أعطى كل شيء خلقه) * لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات * (حتى يعطوا الجزية) * لأنها موقوفة على قبول منا وإنما يعطونها عن كره فائدة 3695 قال الراغب خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو * (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) * * (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) * قال وكل موضع ذكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أوتوا لأن أوتوا قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول
(٥٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 ... » »»