وقوله تعالى: * (ولقد آتينا داود وسليمان علما...) *، الآية هذا ابتداء قصص فيه غيوب وعبر.
* (وورث سليمان داود) *، أي: ورث ملكه ومنزلته من النبوءة; بعد موت أبيه، وقوله:
" علمنا منطق الطير " إخبار بنعمة الله تعالى عندهما; في أن فهمهما من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها، وهذا نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع أصوات الحجارة بالسلام عليه; وغير ذلك حسب ما هو في الآثار.
قال قتادة وغيره: إنما كان هذا الأمر في الطير خاصة، والنملة طائر; إذ قد يوجد لها جناحان.
وقالت فرقة: بل كان ذلك في جميع الحيوان; وإنما خص الطير; لأنه كان جندا من جنود سليمان; يحتاجه في التظليل من الشمس; وفى البعث في الأمور. والنمل حيوان فطن قوي شمام جدا; يدخر ويتخذ القرى ويشق الحب بقطعتين ليلا ينبت، ويشق الكزبرة بأربع قطع; لأنها تنبت إذا قسمت شقين، ويأكل في عامة نصف ما جمع، ويستبقي سائره عدة. قال ابن العربي في " أحكامه ": ولا خلاف عند العلماء في أن الحيوانات كلها لها أفهام وعقول، وقد قال الشافعي: الحمام أعقل الطير، انتهى.
وقوله: * (وأوتينا من كل شئ * (معناه: يصلح لنا ونتمناه; وليست على العموم. ثم ذكر شكر فضل الله تعالى، واختلف في مقدار جند سليمان عليه السلام اختلافا شديدا; لا أرى ذكره; لعدم صحة التحديد، غير أن الصحيح في هذا أن ملكه كان عظيما ملأ الأرض وانقادت له المعمورة كلها، وكان كرسيه يحمل أجناده من الأنس والجن، وكانت الطير تظله من الشمس، ويبعثها في الأمور، و * (يوزعون) * معناه: يرد أولهم إلى آخرهم، ويكفون، قال قتادة: فكأن لكل صنف / وزعة، ومنه قول الحسن البصري حين ولي قضاء البصرة: لابد للحاكم من وزعة، ومنه قول أبي قحافة للجارية: ذلك يا بنية