تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٣٨٤
الذي بكى وأجهش إليه: " إن هذا الجمل شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه "، أي: تديمه في الخدمة والعمل، وظاهر الآية أن معناه: دائبين في الطلوع والغروب وما بينهما من المنافع للناس التي لا تحصى كثرة، وعن ابن عباس أنه قال: معناه: دائبين في طاعة الله، وقوله سبحانه: (وآتاكم من كل ما سألتموه) المعنى: أن جنس الإنسان بجملته قد أوتي من كل ما شأنه أن يسأل وينتفع به، وقرأ ابن عباس وغيره: " من كل ما سألتموه " - بتنوين كل -، ورويت عن نافع، وقوله تعالى: (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها)، أي: لكثرتها وعظمها في الحواس والقوى، والإيجاد بعد العدم والهداية للإيمان وغير ذلك، وقال طلق بن حبيب: إن حق الله تعالى: أثقل من أن يقوم به العباد، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين، وأمسوا توابين.
* ت *: ومن " الكلم الفارقية ": أيها الحريص على نيل عاجل حظه ومراده، الغافل عن الاستعداد لمعاده تنبه لعظمة من وجودك بإيجاده، وبقاؤك بإرفاده، ودوامك بإمداده، وأنت طفل في حجر لطفه، ومهد عطفه، وحضانة حفظه، يغذك بلبان بره، ويقلبك بأيدي أياديه وفضله، وأنت غافل عن تعظيم أمره، جاهل بما أولاك من لطيف سره، وفضلك به على كثير من خلقه، وأذكر عهد الإيجاد، ودوام الإمداد والإرفاد، وحالتي الإصدار والإيراد، وفاتحة المبدأ وخاتمة المعاد. انتهى.
وقوله سبحانه: (إن الإنسان): يريد به النوع والجنس، المعنى: توجد فيه هذه
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة