(وبرزوا لله جميعا): معناه: صاروا في البراز، وهي الأرض المتسعة، (فقال الضعفاء)، وهم الأتباع (للذين استكبروا)، وهم القادة وأهل الرأي، وقولهم: (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيض): " المحيص ": المفر والملجأ مأخوذ من حاص يحيص، إذ نفر وفر، ومنه في حديث هرقل: " فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب " وروي عن ابن زيد، وعن محمد بن كعب، أن أهل النار يقولون: إنما نال أهل الجنة الرحمة بالصبر على طاعة الله، فتعالوا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة سنة، فلا ينتفعون، فيقولون: هلم فلنجزع، فيضجون ويصيحون ويبكون خمسمائة سنة أخرى، فحينئذ يقولون هذه المقالة (سواء علينا...) الآية، وظاهر الآية أنهم إنما يقولونها في موقف العرض وقت البروز بين يدي الله عز وجل.
وقوله عز وجل: (وقال الشيطان لما قضي الأمر): المراد هنا ب " الشيطان " إبليس الأقدم، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عقبة بن عامر، أنه قال: يقوم يوم القيامة خطيبان، أحدهما: إبليس يقوم في الكفرة بهذه الألفاظ، والثاني: عيسى ابن مريم يقوم بقوله: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به...) الآية [المائدة: 117]، وروي في حديث، أن إبليس إنما يقوم بهذه الألفاظ في النار على أهلها عند قولهم: (ما لنا من محيص) [إبراهيم: 21] في الآية المتقدمة، فعلى هذه الرواية، يكون معنى قوله: (قضي الأمر)، أي: حصل أهل / النار في النار، وأهل الجنة في الجنة، وهو تأويل الطبري.
وقوله: (وما كان لي عليكم من سلطان): أي: من حجة بينة، و (إلا أن دعوتكم)، استثناء منقطع، ويحتمل أن يريد ب " السلطان " في هذه الآية: الغلبة والقدرة والملك، أي: ما اضطررتكم، ولا خوفتكم بقوة مني، بل عرضت عليكم شيئا فأتى رأيكم عليه.