وقوله سبحانه: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد): (استفتحوا): أي: طلبوا الحكم، و " الفتاح " الحاكم، والمعنى: أن الرسل استفتحوا، أي: سألوا الله تبارك وتعالى إنفاذ الحكم بنصرهم.
وقيل: بل استفتح الكفار على نحو قول قريش: (عجل لنا قطنا...) [ص: 16] وعلى نحو قول أبي جهل يوم بدر: اللهم، أقطعنا للرحم، وأتيانا بما لا نعرف، فاحنه الغداة، وهذا قول ابن زيد، وقرأت فرقة: " واستفتحوا " - بكسر التاء -، على معنى الأمر للرسل، وهي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن محيصن: (وخاب): معناه: خسر ولم ينجح، وال (جبار): المتعظم في نفسه، وال (عنيد): الذي يعاند ولا يناقد.
وقوله: (من ورائه): قال الطبري وغيره: من أمامه، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: (وكان وراءهم ملك) [الكهف: 79]، وليس الأمر كما ذكروا، بل الوراء هنا وهناك على بابه، أي: هو / ما يأتي بعد في الزمان، وذلك أن التقدير في هذه الحوادث بالأمام والوراء، إنما هو بالزمان، وما تقدم فهو أمام، وهو بين اليد، كما نقول في التوراة والإنجيل: إنهما بين يدي القرآن، والقرآن وراءهم، وعلى هذا فما تأخر في الزمان فهو وراء المتقدم، (ويسقى من ماء صديد): " الصديد ": القيح والدم، وهو ما يسيل من أجساد أهل النار، قاله مجاهد والضحاك.