وقوله تعالى: (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) وصف عليه السلام بالحلم، لأنه لم يغضب قط لنفسه إلا أن يغضب لله، وأمره بالاعتراض عن المجادلة يقتضي أنها إنما كانت في الكفرة، حرصا على إسلامهم، و (أمر ربك) واحد الأمور، أي: نفذ فيهم قضاؤه سبحانه، وهذه الآية مقتضية أن الدعاء إنما هو أن يوفق الله الداعي إلى طلب المقدور، فأما الدعاء في طلب غير المقدور، فغير مجد ولا نافع.
* ت *: والكلام في هذه المسألة متسع رحب، ومن أحسن ما قيل فيها قول الغزالي في " الإحياء ": فإن قلت: فما فائدة الدعاء، والقضاء لا يرد؟ فالجواب: أن من القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء، واستجلاب الرحمة، كما أن الترس سبب لرد السهم، والماء سبب لخروج النبات، انتهى. وقد أطال في المسألة، ولولا الإطالة لأتيت بنبذ يثلج لها الصدر، وخرج الترمذي في " جامعه " عن أبي خزامة، واسمه رفاعة، عن أبيه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول / الله، أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: " هي من قدر الله "، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وفي بعض نسخه: حسن صحيح، انتهى.
فليس وراء هذا الكلام من السيد المعصوم مرمى لأحد، وتأمل جواب الفاروق لأبي عبيدة، حين هم بالرجوع من أجل الدخول على أرض بها الطاعون، وهي الشام.