تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ١١٣
قال بعض أهل التأويل، عكرمة، ومجاهد: كان هذا الحكم من الله سبحانه لرفع الشغب ثم نسخ بقوله: (واعلموا أنما غنمتم من شئ...) [الأنفال: 41] الآية: وهذا أولى الأقوال وأصحها.
وقوله سبحانه: (وأصلحوا ذات بينكم): تصريح بأنه شجر بينهم اختلاف، ومالت النفوس إلى التشاح، و (ذات) في هذا الموضع يراد بها نفس الشئ وحقيقته، والذي يفهم (من بينكم) هو معنى يعم جميع الوصل، والالتحامات، والمودات، وذات ذلك هو المأمور بإصلاحها، أي: نفسه وعينه، وباقي الآية بين.
وقوله سبحانه: (إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم...) الآية، (إنما) لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد، حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر، بحسب القرينة، فقوله هنا: (إنما المؤمنون) ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط، أي الكاملون.
قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي المالقي في كتابه الذي ألفه في " السلوك ": واعلم أن الإنسان مطلوب بطهارة نفسه، وتزكيتها، وطرق التزكية وإن كثرت، فطريق الذكر أسرع نفعا، وأقرب مراما، وعليه درج أكثر مشائخ التربية، ثم قال: والذكر ضد النسيان، والمطلوب منه عمارة الباطن بالله تعالى في كل زمان، ومع كل حال، لأن الذكر بدل على المذكور لا محالة، فذكره ديدنا يوجب المحبة له، والمعرفة به، والذكر وإن اختلفت ألفاظه ومعانيه، فلكل معنى [من] معانيه اختصاص بنوع من التحلية والتخلية، والتزكية، ثم قال: والذكر على / قسمين: ذكر العامة، وذكر الخاصة. أما ذكر العامة، وهو ذكر الأجور، فهو أن يذكر العبد مولاه بما شاء من ذكره لا يقصد غير الأجور والثواب، وأما ذكر الخاصة، فهو ذكر الحضور، وهو أن يذكر العبد مولاه بأذكار معلومة، على صفة مخصوصة، لينال بذلك المعرفة بالله سبحانه بطهارة نفسه من كل خلق ذميم، وتحليتها بكل خلق كريم. انتهى.
و (وجلت): معناه: فزعت، ورقت، وخافت، وبهذه المعاني فسرتها العلماء.
و (تليت) معناه: سردت، وقرئت، والآيات هنا: القرآن المتلو.
ومن كلام صاحب " الكلم الفارقية ": إن تيقظت يقظة قلبية، وانتبهت انتباهة حقيقية لم تر في وقتك سعة لغير ذكر ربك، واستشعار عظمته، ومهابته، والإقبال على طاعته، ما في
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة