تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ١١٠
الأذكار التي يقولها بلسانه، مستحضرا لصفات الجلال والعظمة، وذلك أن الذكر باللسان، إذا كان عاريا عن الذكر بالقلب، كان عديم الفائدة، ألا ترى أن الفقهاء أجمعوا على أن الرجل، إذا قال: بعت واشتريت مع أنه لا يعرف معاني هذه الألفاظ، ولا يفهم منها شيئا، فإنه لا ينعقد البيع والشراء، فكذلك هنا، قال المتكلمون: وهذه الآية تدل على إثبات كلام النفس.
وقوله تعالى: (ولا تكن من الغافلين)، يدل على أن الذكر القلبي يجب أن يكون دائما، وألا يغفل الإنسان لحظة عن استحضار جلال الله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية، وتحقيق القول في هذا أن بين الروح والبدن علاقة عجيبة، لأن كل أثر يحصل في البدن يصعد منه نتائج إلى الروح، ألا ترى أن الإنسان إذا تخيل الشئ الحامض، ضرس منه، وإذا تخيل حالة مكروهة، أو غضب، سخن بدنه. انتهى. و (تضرعا): معناه: تذللا وخضوعا، البخاري: (وخيفة)، أي: خوفا انتهى.
وقوله: (بالغدو والآصال): معناه: دأبا، وفي كل يوم، وفي أطراف النهار، (ولا تكن من الغافلين) تنبيه منه عز وجل، ولما قال سبحانه: (ولا تكن من الغافلين): جعل بعد ذلك مثالا من اجتهاد الملائكة، ليبعث على الجد في طاعة الله سبحانه.
* ت *: قال صاحب " الكلم الفارقية ": غفلة ساعة عن ربك مكدرة لمرآة قلبك، فكيف بغفلة جميع عمرك. انتهى.
قال ابن عطاء الله رحمه الله: لا تترك الذكر، لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة، إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور، إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز. انتهى، قال ابن العربي في " أحكامه ": قوله تعالى: (ولا تكن من الغافلين): أي:
فيما أمرت به، وكلفته، وهذا خطاب له عليه السلام، والمراد به جميع أمته. انتهى.
وقوله: (الذين)، يريد به الملائكة:
وقوله: (عند)، إنما يريد به المنزلة، والتشريف، والقرب في المكانة، لا في المكان، فهم بذلك عنده، ثم وصف سبحانه حالهم، من تواضعهم، وإدمانهم العبادة، والتسبيح والسجود "، وفي الحديث: " أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة