تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٥٠٨
القاف والباء -، واختلف في معناه، فقال بعضهم: هو بمعنى " قبل " بكسر القاف، أي:
مواجهة، كما تقول: قبل ودبر.
وقال الزجاج والفراء: هو جمع قبيل، وهو الكفيل، أي: وحشرنا عليهم كل شئ كفلاء بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقال مجاهد وغيره: هو جمع قبيل، أي: صنفا صنفا، ونوعا نوعا، والنصب في هذا كله على الحالة، (ولكن أكثرهم يجهلون)، أي: يجهلون في اعتقادهم أن الآية تقتضي إيمانهم، ولا بد، فيقتضي اللفظ أن الأقل لا يجهل، فكان فيهم من يعتقد أن الآية لو جاءت لم يؤمن إلا من شاء الله منه ذلك، قلت: وقال مكي: (ولكن أكثرهم يجهلون)، أي: في مخالفتك، وهم يعلمون أنك نبي صادق فيما جئتهم به، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب أبا سفيان بعد الفتح بمخصرة في يده، ويطعن بها أبا سفيان، فإذا أحرقته، قال: نح عني مخصرتك، فوالله، لو أسلمت إليك هذا الأمر، ما اختلف عليك فيه اثنان. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أسألك بالذي أسلمت له، قتالك إياي عن أي:
شئ كان؟ فقال له أبو / سفيان: تظن أني كنت أقاتلك تكذيبا مني لك، والله، ما شككت في صدقك قط، وما كنت أقاتلك إلا حسدا مني لك، فالحمد لله الذي نزع ذلك من قلبي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يشتهي ذلك منه، ويتبسم ". انتهى من " الهداية ".
وقوله سبحانه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن...) الآية: تتضمن تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وعرض القدوة عليه، أي: هذا الذي امتحنت به، يا محمد من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء، ليبتلي الله أولى العزم منهم، و (شياطين الإنس والجن):
يريد: المتمردين من النوعين، و (يوحي): معناه: يلقيه في اختفاء، فهو كالمناجاة والسرار، و (زخرف القول): محسنه ومزينه بالأباطيل، قاله عكرمة ومجاهد، والزخرفة، أكثر ما تستعمل في الشر والباطل، و (غرورا): مصدر، ومعناه يغرون به المضللين، والضمير في (فعلوه) عائد على اعتقادهم العداوة، ويحتمل على " الوحي " الذي تضمنه (يوحي).
وقوله سبحانه: (فذرهم وما يفترون): لفظ يتضمن الأمر بالموادعة، وهو منسوخ،
(٥٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 513 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة