القرى، و (بظلم): يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه لم يكن سبحانه ليهلكهم دون نذارة، فيكون ظلما لهم، والله تعالى ليس بظلام للعبيد.
والآخر: أن الله عز وجل لم يهلكهم بظلم واقع منهم دون أن ينذرهم، وهذا هو البين القوي، وذكر الطبري (رحمه الله) التأويلين.
وقوله سبحانه: (ولكل درجات مما عملوا...) الآية: إخبار من الله سبحانه أن المؤمنين في الآخرة على درجات من التفاضل بحسب أعمالهم، وتفضل المولى سبحانه عليهم، ولكن كل راض بما أعطي غاية الرضا، / والمشركون أيضا على دركات من العذاب، قلت: وظاهر الآية أن الجن يثابون وينالون الدرجات والدركات، وقد ترجم البخاري على ذلك، فقال: ذكر الجن وثوابهم وعقابهم، لقوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم...) الآية، إلى قوله: (وما ربك بغافل عما يعلمون)، قال الداوودي: قال الضحاك: من الجن من يدخل الجنة، ويأكل ويشرب. انتهى.
(وربك الغنى ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين (133) إن ما توعدون لأب وما أنتم بمعجزين (134) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (135)) وقوله سبحانه: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء) الآية متضمنة وعيدا وتحذيرا من بطش الله عز وجل في التعجيل بذلك، وإما مع المهلة ومرور الجديدين، فذلك عادته سبحانه في الخلق بإذهاب خلق واستخلاف آخرين.
وقوله سبحانه: (إنما توعدون لآت)، هو من الوعيد، بقرينة: (وما أنتم بمعجزين)، أي: وما أنتم بناجين هربا فتعجزوا طالبكم، ثم أمر سبحانه نبيه - عليه السلام - أن يتوعدهم بقوله: (اعملوا)، أي: فسترون عاقبة عملكم الفاسد، وصيغة " افعل " هنا: هي بمعنى الوعيد والتهديد، و (على مكانتكم): معناه: على حالكم وطريقتكم، و (عاقبة الدار)، أي: مآل الآخرة، ويحتمل مآل الدنيا، بالنصر والظهور، ففي الآية إعلام بغيب.