وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون (105) اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين (106) ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل (107)) وقوله سبحانه: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)، أجمع أهل السنة على أن الله عز وجل يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون، والوجه أن يبين جواز ذلك عقلا، ثم يستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز، واختصار تبيين ذلك: أن يعتبر بعلمنا بالله - عز وجل -، فمن حيث جاز أن نعلمه، لا في مكان، ولا متحيزا، ولا مقابلا، ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود، جاز أن نراه، غير مقابل، ولا محاذى، ولا مكيفا، ولا محددا، وكان الإمام أبو عبد الله النحوي يقول: مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة، ثم ورد الشرع بذلك، / كقوله عز وجل: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) [القيامة: 22، 23]، وتعدية النظر ب " إلى " إنما هو في كلام العرب، لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار، على ما ذهب إليه المعتزلة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وتواتر، وكثر نقله: " إنكم ترون ربكم يوم القيامة، كما ترون القمر ليلة البدر "، ونحوه من الأحاديث الصحيحة على اختلاف ألفاظها، واستمحل المعتزلة الرؤية بآراء مجردة، وتمسكوا بقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) وانفصال أهل السنة عن تمسكهم، بأن الآية مخصوصة في الدنيا، ورؤية الآخرة ثابتة بأخبارها، وأيضا فإنا نفرق بين معنى الإدراك، ومعنى الرؤية، ونقول: إنه عز وجل تراه الأبصار، ولا تدركه، وذلك أن الإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء، والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته، وذلك كله محال في أوصاف الله عز وجل، والرؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرائي بالمرئي، ويبلغ غايته، وعلى هذا التأويل يترتب العكس في قوله: (وهو يدرك الأبصار)، ويحسن معناه، ونحو هذا روي عن ابن عباس وقتادة وعطية العوفي، أنهم فرقوا بين الرؤية والإدراك، و (اللطيف): المتلطف في خلقه واختراعه،
(٥٠٣)