وقوله سبحانه: (وإن تطع أكثر من في الأرض...) الآية: المعنى: فامض، يا محمد لما أمرت به، وبلغ ما أرسلت به، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك، قال ابن عباس: الأرض هنا: الدنيا، وحكي أن سبب هذه الآية أن المشركين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الذبائح، وقالوا: أتأكل ما تقتل، وتترك ما قتل الله، فنزلت الآية، ثم وصفهم تعالى بأنهم إنما يقتدرون بظنونهم ويتبعون تخرصهم، والخرص: الحرز والظن، وهذه الآية / خبر في ضمنه وعيد للضالين، ووعد للمهتدين، وقوله سبحانه: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين...) الآية: القصد بهذه الآية النهي عما ذبح للنصب وغيرها، وعن الميتة وأنواعها، ولا قصد في الآية إلى ما نسي المؤمن فيه التسمية أو تعمدها بالترك.
(وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين (119) وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون (120) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون (121)) وقوله سبحانه: (وما لكم ألا تأكلوا...) الآية: " ما ": استفهام يتضمن التقرير، (وقد فصل لكم ما حرم عليكم)، أي: فصل الحرام من الحلال، وانتزعه بالبيان، و " ما " في قوله: (إلا ما اضطررتم إليه)، يريد بها: من جميع ما حرم، كالميتة وغيرها، وهي في موضع نصب بالاستثناء، والاستثناء منقطع.
وقوله سبحانه: (وإن كثيرا) يريد الكفرة المحادين المجادلين، ثم توعدهم سبحانه بقوله: (إن ربك هو أعلم بالمعتدين).
وقوله جلت عظمته: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) - نهي عام، والظاهر والباطن:
يستوفيان جميع المعاصي، وقال قوم: الظاهر: الأعمال، والباطن: المعتقد، وهذا أيضا حسن، لأنه عام، وروي ابن المبارك في " رقائقه " بسنده، عن أبي أمامة، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما الإثم؟ قال: " ما حك في صدرك، فدعه "، وروى ابن المبارك أيضا بسنده، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يحل لي مما يحرم علي؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم