تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٢ - الصفحة ٤٩٩
متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون (99)) وقوله سبحانه: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة)، يريد: آدم - عليه السلام -، (فمستقر ومستودع)، اختلف المتأولون في معنى هذا الاستقرار والاستيداع.
فقال الجمهور: مستقر في الرحم، ومستودع في ظهور الآباء حتى يقضي / الله بخروجهم، قال ابن عون: مشيت إلى منزل إبراهيم النخعي وهو مريض، فقالوا: قد توفي، فأخبرني بعضهم أن عبد الرحمن ابن الأسود سأله عن: (مستقر ومستودع)، فقال:
مستقر في الرحم، ومستودع في الصلب، وقال ابن عباس: المستقر: الأرض، والمستودع: عند الرحمن، وقال ابن جبير: المستودع: في الصلب، والمستقر في الآخرة، قال الفخر: والمنقول عن ابن عباس في أكثر الروايات أن المستقر هو الأرحام، والمستودع الأصلاب، ثم قرأ: (ونقر في الأرحام ما نشاء) [الحج: 5] ومما يدل على قوة هذا القول، أن النطفة لا تبقى في صلب الأب زمانا طويلا، والجنين في رحم الأم يبقى زمانا طويلا، ولما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب، كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم أولى. انتهى.
قال * ع *: والذي يقتضيه النظر أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه، وليس بمستقر فيه استقرارا مطلقا، لأنه يتنقل لا محالة، ثم ينتقل إلى الرحم، ثم ينتقل إلى الدنيا، ثم ينتقل إلى القبر، ثم ينتقل إلى المحشر، ثم ينتقل إلى الجنة أو النار، فيستقر في أحدهما استقرارا مطلقا، وليس فيها مستودع، لأنه لا نقلة له بعد، وهو في كل رتبة متوسطة بين هذين الطرفين مستقر بالإضافة إلى التي قبلها، ومستودع بالإضافة إلى التي بعدها، لأن لفظ الوديعة يقتضي فيها نقلة، ولا بد.
وقوله تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ)،
(٤٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة